15
ووجد الفيل في رومة وإرلندة وإسبانية الشمالية وسيبرية، وما عثر عليه في هذه البلدان من عظامه التي هي عظام الفيل الأفريقي فيكفي لإثبات سابق اتصال بين القارتين، وكان الفيل يعيش في أوروبة في الأزمنة التاريخية أيضا، فقد رأى سائح فنيقي فيولا بجوار جبل طارق، ويدل رسم فيلة هنيبال في النقود على صمخ ضخمة وظهور منحدرة لا ترى لها نظيرا في أفيال الهند.
وتخرج من الغابة جماعة من الفيلة، ولا يكاد يشعر بطقطقة لها لشدة حذرها، والبلاشين وحدها هي التي تنم عليها حينما تحوم فوقها؛ وذلك لأن البلاشين تتغذى بالحشرات التي تعيش على جلودها كما يعيش اللغويون من الشعراء، وتحذر الفيول الإنسان، والإنسان ينصب لها أشراكا في الغالب، وتقف الفيول وتترقب ولا يسمع سوى تصفيق لآذانها، وتتحرز الفيول لوجود صغير بينها، وهي تتوارى صامتة إذا لم تبصر، وهي على عكس الإنسان تجبه العدو إذا ما كشف أمرها، والآن تخرج الأفيال من الأدغال ويبدو ثلثا أجسامها ويبلغ الكلأ الطويل مستوى ركبها، ويجعل الصغير نفسه تحت أمه وبين قائمتيها الأماميتين حيث اللوابن،
16
ويلقي الصغير خرطومه إلى الخلف ليرضع بفمه، وتدخل الفيول الأخرى في الماء بعد أن تسحق كل شيء في خليج، لا عن حدة، بل عن ضخامة، وتزنخر
17
بمنخرها في النيل وتنضح
18
ظهرها بخرطومها وتشرب وتأكل الكلأ العالي في المرج، ولا يرى لها مضغ، فهي لا تفغر فما عظيما كما يفعل بقر الماء، وإنما يتوارى كل شيء في هوة لا قعر لها كما يلوح.
وعندما تأخذ الفيلة في الأوب من النهر تبدو سودا في سهب أصفر، غير أن أنيابها تلمع بيضا في الذكور والإناث منها على السواء، ويقود الذكر جمعها، ويأخذ مالك الحزين مكانه من ظهره كالجني الأبيض الذي يقود كبار المجرمين وشيوخ الأشرار وفق ما جاء في الأساطير، ويرجع الفيل الضخم إلى الغابة مروحا مبللا سعيدا مائدا،
صفحة غير معروفة