6
ثم يبصر الأيكة الكثيفة البكر حتى الخط الفاصل بين مياه الكونغو، ثم يبصر في مجراه الأدنى اصطراع الماء والأرض كما هو أمر النيل.
والآن ظهر أمر الأقوى، وعندما يخسر بحر الغزال مجراه واتجاهه وسجيته وتربكه الأسداد النباتية وجزر الكلأ والشعب والجداول يضحي عرضة لفوضى المناقع ويضيع سلطانه، فيترك هنالك ضعفي ما يترك النيل. وبحر الغزال بعد أن يغدو عاطلا من الضفاف ويدخل دورا كبيرا من الانحلال لم يبق له غير مضيق فيلاقيه هذا المضيق الذي قاوم مثل تلك المحن ويقبله مترفقا وينتفع به.
ولبحر الزراف الذي ينصب في النيل بشرق بحيرة نو، وعلى ذلك العرض مغامرته أيضا، وهو يخرج من مناقع واقعة «في مكان ما من مجرى أواي التحتاني» كما يقول الجغرافيون، وكما يحدثون عن لقيط يجدونه، وتوحي أضواجه في بلد الأهوار بالافتراض القائل إنه تكون في مناقع زائلة، وتوحي شباه ضفافه المؤلفة من جذور متراكمة قديمة، وإن شئت فقل شعبه الممتدة إلى كل ناحية كشعب الرية،
7
وذلك عند النظر إليها من الطائرة، بفكرة عن مرض كريه يقضم لحم ذلك البلد.
والسوباط أكثر الثلاثة وقفا للنظر، وهو يصب في النيل حيث يسترد النيل مجراه إلى الشمال قريبا من بحر الزراف التحتاني، والسوباط هو الرافد الأول الذي يحمل إلى النيل غرين الحبشة الذي يتجلى به شأنه القادم، ويمثل السوباط حوضا عظيما، وهو لا يتناول من هضبة البحيرات الكبيرة غير جزء من مياهه، وهو يتلقى بقية مياهه من جبال الحبشة العالية التي تبلغ ذراها الجنوبية الغربية من الروعة الشيء الكثير على رواية العارفين بها، ويسير السوباط على غرار أنها الحبشة الأخرى المتوجهة إلى النيل فيقوم بجولة طويلة في الجبال فلا يجري في السهول غير زمن قليل لملاقاة الأنهار الآتية من البحيرات الكبيرة، ويشق السوباط طريقا لنفسه بحزم في جريه الصائل، ويتغلب السوباط على مغريات حياته المقبلة بقوة شبابه الراهن.
وعلى ما يتفق للسوباط من ابتعاد عن أخطار المناقع أكثر مما يتفق لبحر الغزال تراه يترك هنالك كثيرا من مياهه، وبما أن ضفافه أكثر ارتفاعا من جوارها لا تجزر
8
مياه الفيضان إلى السوباط بعد موسم الأمطار، بل تظل راقدة مدى العام ما لم يجرها الزنوج نيلا للسمك، ويمثل السوباط - مع ذلك - 14 في المائة من مياه النيل في الخرطوم.
صفحة غير معروفة