الْبَابُ الثَّانِي فِي النَّظَرِ فِي الْأَسْوَاقِ، وَالطُّرُقَاتِ
يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأَسْوَاقُ فِي الِارْتِفَاعِ، وَالِاتِّسَاعِ عَلَى مَا وَضَعَتْهُ الرُّومُ (^١) قَدِيمًا، وَيَكُونَ مِنْ جَانِبَيْ السُّوقِ إفْرِيزَانِ يَمْشِي عَلَيْهِمَا النَّاسُ فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ، إذَا لَمْ يَكُنْ السُّوقُ مُبَلَّطًا، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ السُّوقَةِ إخْرَاجُ مِصْطَبَةِ (^٢) دُكَّانِهِ عَنْ سَمْتِ أَرْكَانِ السَّقَائِفِ (^٣) إلَى الْمَمَرِّ الْأَصْلِيِّ؛ لِأَنَّهُ عُدْوَانٌ عَلَى الْمَارَّةِ، يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَسِبِ إزَالَتُهُ، وَالْمَنْعُ مِنْ فِعْلِهِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ لُحُوقِ الضَّرَرِ بِالنَّاسِ. وَيَجْعَلُ لِأَهْلِ كُلِّ صَنْعَةِ مِنْهُمْ سُوقًا يَخْتَصُّ بِهِمْ، وَتُعْرَفُ صِنَاعَتُهُمْ [فِيهِ] (^٤)، فَإِنَّ ذَلِكَ لِقُصَّادِهِمْ أَرْفَقُ، وَلِصَنَائِعِهِمْ أَنْفَقُ، وَمَنْ كَانَتْ صِنَاعَتُهُ تَحْتَاجُ إلَى وُقُودِ نَارٍ، كَالْخَبَّازِ وَ[الطَّبَّاخِ]، (^٥) وَالْحَدَّادِ، فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُبْعِدَ حَوَانِيتَهُمْ عَنْ
_________
(^١) أقيمت الأسواق في مدن الدولة الرومانية حول الميدان (Forum) والمعابد والكنائس غالبًا، ثم أنشئت الدكاكين على جانبي الشوارع المختلفة، وجعل لكل صنف من أصناف التجارة موضع خاص، وبنيت السقوف فوق تلك المواضع لحماية المارة من الشمس والمطر، ولذا سميت تلك الأسواق بالسقائف؛ وقد سري هذا النظام أيضًا في معظم المدن الإسلامية. راجع: Rostovtzeff: Social and Economic ١٣٥. Mez: Die Renaissance des Islams History of the Roman Empire، p الترجمة العربية، جـ ٢، ص ٣٢٥ - ٣٢٦؛ وكذلك (Ency. Soc. Sc. Art. Marketing) .
(^٢) المصطبة بناء من الحجر أو الأجر يقام بجانب وجهة الدكان، ويبلغ ارتفاعها نحو المتر، وسطحها في مستوى أرضية الدكان، ويجلس عليها صاحب الدكان مع زبائنه. وقد ظلت المصاطب شائعة الاستعمال في مصر حتَّى أمر محمد على إزالتها لكيلا تضيق على المارة، وذلك في سنة ١٢٥٠ هـھ (١٨٣٥ م). راجع (Lane: The Manners & Customs of the Modern Egyptians، pp. ٣٢٢، ٥٦٣ note ٢)
وانظر كذلك دفتر مجموع أمور إدارة وإجراءات من تسليمات مجلس الأحكام المصرية، ص ٢٦٩. (دار محفوظات عابدين).
(^٣) السقائف - ومفردها سقيفة - الأسواق المظللة لحماية السابلة من المطر والشمس. (انظر Dozy: Supp. Diet، Ar)، وكانت شائعة في أسواق القسطنطينية، وغيرها من مدن الدولة البيزنطية.
(انظر ١٣٥. Rostovtzeff: Op، Cit. p) . والراجح أن العرب أخذوها عن تلك المدن، فقد أمر زياد ابن أبيه ألا تغلق أبواب الحوانيت في البصرة، وطلب أن يمد السقيف عليها. راجع أبو هلال العسكري (كتاب الأوائل، ص ٢٣٩ ب). وظلت السقائف سائدة في أسواق مصر حتَّى عهد محمد على، وإلى الآن في الأحياء الوطنية. (انظر ٥٦٣. Lane: op، Cit.، p) .
(^٤) الإضافة من هـ فقط.
(^٥) الإضافة من ص، م.
1 / 11