عن العدم بعدم الإخبار عنه غير متناقض للتغاير في الموضوعات ، فإن ما ليس بثابت في الذهن له ثبوت ذهني ، لأن هذا السلب متصور والمنسوب إليه هذا السلب ليس له ثبوت أصلا. فهنا اعتباران : سلب الثبوت ذهنا ، والمنسوب إليه هذا السلب ، فبالاعتبار الأول أمكن الحكم عليه دون الاعتبار الثاني من غير تناقض ، لعدم اتحاد الموضوع فيهما ، وإنما حصل لنا تصور سلب الثبوت المطلق ، لأن للذهن أن يتصور جميع الأشياء حتى عدم نفسه ، فإذا تصور الوجود المطلق وتصور عدمه فقد تصور سلب الثبوت المطلق (1).
** البحث الثاني : في أن المعدوم ليس بشيء (2)
هذه مسألة عظيمة وقع الخلاف فيها بين النفاة والمثبتين مع أنها ظاهرة.
وتقرير الكلام في ذلك أن نقول : المعدوم إما أن يكون ممتنع الثبوت ، ولا
أقول : هذه المسألة تختلف مع مسألة الحال ، لأن المعتزلة كانوا يعبرون عن الصفات والأسماء الثابتة للموجودات بالأحوال ، وفي ما نحن فيه يثبتون الشيئية نحوا من الثبوت للمعدومات الممكنة ، فالموضوع في مسألة الحال صفات الموجود مثل السوادية والبياضية والقادرية وغير ذلك ، مما لا يوصف بالوجود ولا العدم ، وسموها الحال ، وهي واسطة بين الوجود والعدم.
وأما الموضوع هاهنا فهو المعدوم الممكن المقابل للمعدوم الممتنع. هذا ، وقد جعل الشهرستاني بين المسألتين نحوا من الاتحاد ، وابتناء احداهما على الأخرى ، ثم حكم بالتناقض بين قولهم بشيئية المعدوم والقول بالحال ، نهاية الاقدام في علم الكلام : 158 159 ولكن الحق اختلاف المسألتين لاختلاف موضوعهما ، كما عرفت.
صفحة ٥٣