ومثال القسم الثاني: حركات دورية وهي متعاقبة في الوجود ومدار المسئلة على الفرق بين الإيجاد والإيجاب وبين التقدم والتأخر وإن ما حصره الوجود فهو متناه من غير فرق بين الأقسام وما لا يتناهى قط لا يتصور إلا في الوهم والتخيل دون الحسن والعقل ولا بد من بحث على محل النزاع حتى يتخلص فيكون التوارد بالنفي والإثبات على محل واحد من وجه واحد فيصبح انقسام الصدق والكذب والحق والباطل ولا يتبين محل النزاع إلا بالبحث عن أقسام التقدم والتأخر فقال القوم التقدم والتأخر يطلق ويراد به التقدم بالزمان كتقدم الوالد على الولد ويطلق ويراد به التقدم بالمكان والتأخر به كتقدم الإمام على المأموم وقد يسمى هذا القسم متقدما بالرتبة وقد يطلق ويراد به الفضيلة كتقدم العالم على الجاهل وقد يطلق ويراد به التقدم بالذات والتأخر بها كتقدم العلة على المعلول وهؤلاء قصدوا في إطلاق لفظ الذات فإنهم أرادوا به العلية والذات أعم من العلية فكان من حقهم أن يقولوا التقدم بالعلية ثم العلية الغايية تتقدم على المعلول في الذهن والتصور لا في الوجود فهي متأخرة في الوجود متقدمة في الذهن بخلاف العلة الفاعلية والعلل الصورية فإنها لا تكون مقارنة في الوجود فافهم هذا فإنه ينفعك في نفس المسئلة حيث يستشهدون بشعاع الشمس مع الشمس وحركة الكم مع حركة اليد فإنهما وإن تقارنا في الزمان أنهما إذا أخذا على أن أحدهما سبب والثاني مسبب لم يتقارنا في الوجود لأن وجود أحدهما مستفاد من وجود الآخر فوجود المفيد كيف يقارن وجود المستفيد لكن إذا أخذا على أن وجودهما مستفاد من وجود واهب الصور فحينئذ يتقارنان في الوجود وهناك لا يكون أحدهما سببا والثاني مسببا ومنهم من زاد قسما خامسا وهو التقدم بالطبع كتقدم الواحد على الاثنين ولو طالبهم مطالب لم حصرتم الأقسام في أربعة أو خمسة لم يجدوا على الحصر دليلا سوى الاستقراء حتى لو قيل لهم ما الذي أنكرتم على من زاد قسما سادسا وهو التقدم والتأخر في الوجود من غير التفات إلى الإيجاب بالذات ولا التفات إلى الزمان والمكان والتقدم للواحد على الاثنين شديد الشبه بهذا القبيل فإن الواحد ليس بعلة يلزم منه وجود الاثنين ضرورة بل يمكن أن يتصور شيآن أحدهما وجوده بذاته والثاني وجوده مستفاد من غيره ثم بعد ذلك يقع البحث في انه يستفيد وجوده منه اختيارا أو طبعا أو ذاتا هذا معقول بالضرورة ثم يجب أن يفرض تقدم وجود المفيد على وجود المستفيد من حيث الوجود فقط من غير أن يخطر بالبال كون المفيد علة لذاته أو موجدا له بصفة ثم يقع بعد ذلك التفات إلى أن الوجود المستفيد وجود واجب به لأنه علته أو لا يحب به وذلك لأن الوجوب بالغير لازم به فإنه يحسن أن يقال هذا قد وجد عنه فوجب به ولا يجوز أن يقال وجب به فوجد عنه ولكل معنى من معاني التقدم والتأخر معية في مرتبته لا يجامع التقدم والتأخر في تلك المرتبة ويجامع في مرتبة أخرى مثاله تقدم السبب على المسبب ذاتا ووجودا أو مقارنته معا وزمانا أو مكانا ولكن لا يجوز أن تطلق معية ما على الباري تعالى والعالم فإذا ثبت هذا قلنا إما التقدم والتأخر الزماني فيجب نفيهما عن الباري تعالى وكما لا يجوز أن يتقدم على العالم زمانا لم يجز أن يكون مع العالم زمانا فإنا كما نفينا التقدم الزماني نفينا المعية الزمانية ومثار الشبهة ومجال الخيال هاهنا فإن فازت سفينة النظر عن هذه الغمرة فاز أهل الحق بقصب السبق في المسئلة فإن ما لا يقبل الزمان ولم يكن وجوده زمانيا لم يجز عليه التقدم والتأخر والمعية الزمانية كما أن ما لا يقبل المكان ولم يكن وجوده وجودا مكانيا لم يجز عليه التقدم والتأخر والمعية المكانية فقول الخصم إن العالم معه دايم الوجود إيهام بالزمان فيقال يجوز أن يكون موجودان أحدهما متقدم بالذات والآخر متأخر بالذات ويكونان معا في الزمان فإن التقدم بالذات لا ينافي المعية في الزمان كتقدم السبب على المسبب وحركة اليد على حركة المفتاح في الكم لكن إذا كان وجودهما زمانين فإما وجود لا يقبل الزمان أصلا كيف يطلق عليه معية بالزمان وذلك كالتقدم بالمكان والمعية به فإن السبب والمسبب قد يكونان معا في المكان ويسبق أحدهما الآخر بالذات لكن إذا كان وجودهما مكانين فإما وجود لا يقبل المكان أصلا فكيف يطلق عليه معية المكان ونحن لا ننكر أن الوهم يرتمي إلى مدة مقدرة قبل العالم كما يرتمي إلى فضاء مقدر فوق العالم وذلك وهم مجرد وخيال محض فلا فضاء ولا بينونة كما يقدره الكرامي ولا زمان ولا مدة كما يقدره الوهمي ولو قدر تقديرا عالم آخر فوق هذا العالم لم يؤد ذلك إلى تجويز ذلك إلى تجويز عوالم هي أجسام لا تتناهى إذ قد تبين بالبرهان استحالة بعد لا يتناهى في الملا والخلا وكذلك لو قدر تقديرا عالم آخر قبل هذا العالم لم يؤد ذلك إلى تجويز عوالم هي متحركات لا تتناهى إذ تبين بالبرهان استحالة مدة وعدة لا تتناهى فرجع الخلاف إذا إلى استحالة وجود جسم لا يتناهى بعدا وبيان استحالة وجود أجسام لا تتناهى زمانا فإن الخصم يسلم التقدم والتأخر في المعية فإذا سلم التقدم نقول لا يلزم من تقدير جسم لا يتناهى بعدا وإن كان مستحيلا أن يكون مع الباري تعالى بالمكان كذلك لم يلزم من تقدير حركات لا تتناهى زمانا أن تكون مع الباري تعالى بالزمان فإنه تعالى غير قابل للزمان والمكان وكان الله ولم يكن معه شيء إذ لم تكن معية بالذات ولا بالوجود ولا بالرتبة المكانية والزمانية ولم يلزم من إطلاق كونه موجدا أن يكون الموجد معه في الوجود ولا لزم من إطلاق كونه موجبا أن يكون الموجب معه في الوجود فإن الوجود المستفاد لا يكون مع الوجود المفيد وكان المعية من كل وجه وعلى كل معنى من الأقسام منفيا عنه سواء أطلقناها في قسم واحد أو في قسمين مركبين ونحن نبدأ بطرق المتكلمين ثم نعود إلى ما ذكرناه من الكلام على محل النزاع. معية المكان ونحن لا ننكر أن الوهم يرتمي إلى مدة مقدرة قبل العالم كما يرتمي إلى فضاء مقدر فوق العالم وذلك وهم مجرد وخيال محض فلا فضاء ولا بينونة كما يقدره الكرامي ولا زمان ولا مدة كما يقدره الوهمي ولو قدر تقديرا عالم آخر فوق هذا العالم لم يؤد ذلك إلى تجويز ذلك إلى تجويز عوالم هي أجسام لا تتناهى إذ قد تبين بالبرهان استحالة بعد لا يتناهى في الملا والخلا وكذلك لو قدر تقديرا عالم آخر قبل هذا العالم لم يؤد ذلك إلى تجويز عوالم هي متحركات لا تتناهى إذ تبين بالبرهان استحالة مدة وعدة لا تتناهى فرجع الخلاف إذا إلى استحالة وجود جسم لا يتناهى بعدا وبيان استحالة وجود أجسام لا تتناهى زمانا فإن الخصم يسلم التقدم والتأخر في المعية فإذا سلم التقدم نقول لا يلزم من تقدير جسم لا يتناهى بعدا وإن كان مستحيلا أن يكون مع الباري تعالى بالمكان كذلك لم يلزم من تقدير حركات لا تتناهى زمانا أن تكون مع الباري تعالى بالزمان فإنه تعالى غير قابل للزمان والمكان وكان الله ولم يكن معه شيء إذ لم تكن معية بالذات ولا بالوجود ولا بالرتبة المكانية والزمانية ولم يلزم من إطلاق كونه موجدا أن يكون الموجد معه في الوجود ولا لزم من إطلاق كونه موجبا أن يكون الموجب معه في الوجود فإن الوجود المستفاد لا يكون مع الوجود المفيد وكان المعية من كل وجه وعلى كل معنى من الأقسام منفيا عنه سواء أطلقناها في قسم واحد أو في قسمين مركبين ونحن نبدأ بطرق المتكلمين ثم نعود إلى ما ذكرناه من الكلام على محل النزاع.
فنقول للمتكلمين طريقان في المسئلة أحدهما إثبات حدث العالم والثاني إبطال القول بالقدم.
أما الأول فقد سلك عامتهم طريق الإثبات بإثبات الإعراض أولا وإثبات حدثها ثانيا وبيان استحالة خلو الجواهر عنها ثالثا وبيان استحالة حوادث لا أول لها رابعا ويترتب على هذه الأصول أن ما لا يسبقه الحوادث فهو حادث وقد أوردوا هذه الطريقة في كتبهم أحسن إيراد.
صفحة ٣