والقصد بين الطريقتين أن يقسم التوفيق قسمة عموم وخصوص على عموم الخلق وخصوصهم فعموم الخلق في توفيق الله تعالى الشامل لجميعهم وذلك نصب الأدلة والأقدار والاستدلال وإرسال الرسل وتسهيل الطرق لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وخصوص الخلق في توفيق الله الخاص لمن علم منه الهداية وإرادته الاستقامة وذلك أصناف لا تحصى وألطاف لا تستقصى تبتدئ من كمال الاعتدال في المزاج أحدهما من جهة الطبيعة طينا والثاني من جهة الشريعة خلالا وهذا في النطفة الحاصلة من الأبوين وعلتها النقش الأول من السعادة والشقاوة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه ثم التربية من الأبوين أو من الأستاذ أو من المعلم أو من أهل البلد وذي القرابة والخلطة معونة أخرى قوية حتى ربما يغير الاعتدال من النقص إلى الكمال وعن الكمال إلى النقص وعلة النقش الثاني من الفطرة والاحتيال كما قال عليه السلام فطر الله العباد على معرفته فاحتالتهم الشياطين عنها وقال كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ثم الاستقلال بحالة البلوغ وكمال العقل يحتاج إلى قوي استمداد من التوفيق وذلك مزلة الأقدام ومجرة الأقلام فالتوفيق فيها من الله أن لا يكله إلى نفسه مما هي عليها من الاستقلال والاستبداد والخذلان أن يخذله ويكله إلى نفسه وحوله وقوته وعن هذا كان التبري من الحول والقوة بقولهم لا حول ولا قوة إلا بالله واجبا في كل حال وذلك مطردة الشياطين إذ يدخل احتيال الشيطان تغريره بحوله وقوته والفطرة هي الاحتياج إلى الله تعالى والتسليم لله والتوكل على الله إذ لا حول ولا قوة إلا بالله وذلك كنز من كنوز الجنة وهذه الحالة أعني حالة البلوغ والاستقلال هي مثار القوى الحيوانية منها الغضبية والشهوية قال الصديق الأول يوسف عليه السلام وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي وذلك عند مثار القوى الشهوية ووكز الكليم عليه السلام ذلك القبطي فقضى عليه فقال هذا من عمل الشيطان وذلك عند مثار القوة الغضبية وتبرأ الرسول عليه السلام من القوتين جميعا فقال في كل حال اللهم واقية كواقية الوليد رب لا تكلني إلى نفسي طرفة عين وعلى هذه الحالة النفس الثالثة وهي تمتد إلى آخر العمر فلا تزيده مواعظ الشرع ترغيبا وترهيبا ولا تجانبه مواقع التقدير تنبيها وتحذيرا فإن انفتح سمعه لمواعظ الشرع وبصره لمجاري التقدير انشرح صدره للإسلام فهو على نور من ربه وإن جعل إصبعه في أذنيه فلم يسمع الآيات إلا مرية وأسبل جفنه على عينيه فلم يبصر الآيات الخلقية صار على ظلمة من طبعه وذلك الطبع والختم بل طبع الله عليها بكفرهم ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة وربما يكون الختم والطبع من قساوة في جوهر جبلية اكتسبها من أصل فطرته فالتقدير مصدر والتكليف مظهر والكل مقدر والمقدر ميسر لما خلق له فالحاصل أن الموكول إلى حوله وقوته في خذلان الله تعالى والتوكل على حول الله وقوته في توفيق الله تعالى فعلى رأي القدرية العبد أبدا في الخذلان إذ هو موكول إلى حوله وقوته ولم يستعن بالله ولم يتوكل على الله فعلى رأي الجبرية العبد أبدا في الخذلان إذ هو خاذل نفسه عن امتثال أمر الله تعالى لم يعبد الله ولم يحفظ حدود الله تعالى.
والحق الذي لا غبار عليه إياك نعبد محافظة على العبودية وإياك نستعين استعانة بالربوبية والتوفق والخذلان والشرح والطبع والفتح والختم والهداية والضلال ينتسب إلى الله تعالى بشرط أن يكون أحق الاسمين به أحسن الاسمين " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها " وأولى الفعلين بحكمه وتقديره أولى الفعلين وجودا وأجدرهما حصولا " بيدك الخير إنك على كل شيء قدير " اللهم من أحسن فبفضلك يفوز ومن أساء فبخطيته يهلك لا المحسن استغنى عن رفدك ومعونتك ولا المسيء عليك ولا استبد بأمر خرج به عن قدرتك فيا من هكذا لا هكذا غيرك صل على محمد وعلى آله افعل بي ما أنت أهله إنك أهل لكل جميل.
صفحة ١٤٤