281

النهاية في الفتن والملاحم

محقق

محمد أحمد عبد العزيز

الناشر

دار الجيل

الإصدار

١٤٠٨ هـ

سنة النشر

١٩٨٨ م

مكان النشر

بيروت - لبنان

وَقَدْ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ أَنَّ الْأَمْوَاتَ لا يشعرون بشيء مما يقع، مما ذكر، بِسَبَبِ نَفْخَةِ الْفَزَعِ، وَأَنَّ الَّذِينَ اسْتَثْنَى اللَّهُ فيها، إِنْمَّا هُمُ الشُّهَدَاءُ، لِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَهُمْ يَشْعُرُونَ بِهَا، وَلَا يَفْزَعُونَ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ لَا يُصْعَقُونَ بِسَبَبِ نَفْخَةِ الصَّعْقِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُسْتَثْنَيْنَ مِنْهَا عَلَى أَقْوَالٍ، أحدها: كما جاء مصرحًا به، أنهم الشهداء، وَقِيلَ: بَلْ هُمْ جِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ، وَإِسْرَافِيلُ، وَمَلَكُ الموت، قيل: وحملة العرش أيضًا، قيل: وغير ذلك، فالله أعلم.
وقد ذكر في هذا الحديت، أعني حَدِيثِ الصُّورِ، أَنَّهُ يَطُولُ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مُدَّةُ مَا بَيْنَ نَفْخَةِ الْفَزَعِ وَنَفْخَةِ الصَّعْقِ، وهم يشاهدون تلك الأهوال، والأمور العظام، فيموت بسبب ذلك جميع الموجودين، من أهل السموات، ومن في الأرض، مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَالْمَلَائِكَةِ، إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقِيلَ: هُمْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، وَجِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ، وإسرا فيل، وَقِيلَ: هُمُ الشُّهَدَاءُ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ في السَّموَاتِ وَمَنْ فِي الأرْض إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثمَّ نُفِخَ فِيهِ أخْرَى فَإذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُون﴾ [الزمر:٦٨] .
وَقَالَ تَعَالَى:
﴿فإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَة وَاحدَة وَحُمِلَتِ الأرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَةً وَاحدَةً فَيَومَئِذٍ وَقَعَتِ الوَاقِعَة وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذ واهِيةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ ربئك فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذ ثَمَانِيَةٌ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾ [الحاقة:١٣-١٨] .
تقدم في حديث الصور:
"إن الله تعالى يقول لإِسرافيل: انْفُخْ نَفْخَةَ الصَّعْقِ، فَيَنْفُخُ فَيُصْعَقُ مَنْ

1 / 289