نفح العبير

الناشر

مدار الوطن للنشر

رقم الإصدار

الأولى- جـ ١ (١٤١٥)،جـ ٢ (١٤١٧)،جـ ٣ (١٤٢٤)

سنة النشر

جـ ٤ (١٤٢٦)

مكان النشر

الرياض - المملكة العربية السعودية

تصانيف

نَفْحُ العَبِيْر تَأليف أبي مُحَمَّد عبد الله بن مَانع العتيبي قرئَ مِنْهُ على سماحة الشَّيْخ عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن باز ﵀ مفتي عَام المملكة الْعَرَبيَّة السعودية سَابِقًا «الْجُزْء الأوَّل» دَارُ الوَطَن للنَّشر

صفحة غير معروفة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد: فإن الله ﷿ جعل العلماء في الأرض كالنجوم في السماء يهتدي بها الناس في ظلمات البر والبحر. ولئن كان العلماء أنوار الدجى ومصابيح الظلام؛ فإن شيخنا العلامة المحدث الشيخ عبد العزيز بن باز ﵀ وأمتع به على طاعته، هو من أضوئهم نورًا، بل هو مصباح للعلماء فضلًا عن غيرهم- نحسبه كذلك- ولقد نفع الله بدروسه وتوجيهاته ومؤلفاته في عقود مضت من السنين وحتى الآن. وإن دروس شيخنا لعظيمة النفع، وإنها ليانعة الثمار، تؤتي أُكلها كل حين بإذن ربها، فشيخنا ﵀ يدرس الكتب الستة ومسند أحمد، وموطأ مالك، وسنن الدارمي، وصحيح ابن حبان، وتفسير ابن كثير، وزاد المعاد، وكتاب التوحيد، وفتاوى شيخ الإسلام، والأصول الثلاثة، وإغاثة اللهفان، والدرر السنية، والعقيدة الواسطية، والفرائض، ومنتقى الأخبار، وأصول الأحكام، والنخبة. وقد قرئ على شيخنا كذلك الاستقامة لأبي العباس ﵀، وقرئ عليه كذلك جلاء الأفهام، وبلوغ المرام، ومقدمة فتح الباري، والعقيدة الطحاوية، والعقيدة الحموية، والسنن الكبرى للنسائي ولم تكمّل، وكذلك قرئ عليه شيء من منار السبيل، ومن إرواء الغليل

1 / 5

ولم يكمَّلا، وقرئ عليه شيء من أول الصارم المسلول على شاتم الرسول، وغير ذلك. وسماحة الشيخ عبد العزيز ﵀ كان حريصًا على إيصال المعلومة الصحيحة إلى الطالب، فإذا شك في مسألة أو حديث، أمر بتحقيق الأمر والنظر في هذه المسألة وفي ذلك الحديث، حتى يتَّضح الأمر وتنجلي الحقيقة. وربما كلَّف شيخنا الفاضل كاتب هذه الأسطر لتحقيق حديث، أو تتبع مسألة، فاجتمع من ذلك ما تراه بين يديك، ثم تقرأ على شيخنا هذه البحوث فيعلِّق عليها بما يراه، وقد يضيق الوقت عن قراءتها في الدرس، فأعطي شيخنا صورة من البحث ويُقرأ عليه في المنزل، فإن تيسَّر لي والحالة هذه معرفة تعليقه على البحث كتبته. وقد استأذنت شيخنا ﵀ في نشرها لتعميم نفعها فأذن واستأذنته في ذكر تعليقه عليها -إن وجد- فأذن ﵀ بطيب نفس، وسيكون ضمن هذه السلسلة ... -إن شاء الله- فوائد من تعليقات شيخنا ودروسه يسَّر الله جمعها ونشرها بمنه وكرمه .. هذا وأسال الله ﷿ بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينفع بهذه الدروس، وبغيرها من دروس المشايخ الفضلاء، وأن تكون طريقًا للعودة إلى مجد الأمة وعزتها وقوتها إنه خير مسئول، ولا يفوتني أن أعتذر للإخوة الكرام عما يكون من قصور في هذه البحوث، فإنه ربما طلب البحث في وقت محدد، فأجمع ما أستطيع جمعه مع تسويده وتبييضه، فربما زلَّ القلم، وفات بعض الشيء. وختامًا أسأل الله أن ينفع بهذه البحوث كاتبها، وقارئها، وسامعها، وصلى الله على نبينا محمد ﷺ وعلى آله وصحبه وسلَّم.

1 / 6

إدراكه ﷺ مع النبوة فضيلة الشهادة حديث: «ما أزال أجدُ ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدتُ انقطاع أبْهرَي من ذلك السم». أخرجه البخاري معلقًا في باب مرض النبي ﷺ ووفاته، قال: وقال يونس عن الزهري، قال عروة: قالت عائشة ﵂: «كان النبي ﷺ يقول في مرضه الذي مات فيه: «يا عائشة» فذكره. فتح (٨/ ١٣١) (١). ورواه عبد الرزاق (١١/ ٢٩) برقم [١٩٨١٥] عن معمر عن الزهري عن ابن كعب ابن مالك أن أم مُبشر قالت للنبي ﷺ، في المرض الذي مات فيه: ما تتهم بنفسك يا رسول الله! فإني لا أتهم بابني إلا الشاة المشوية التي أكل معك بخيبر، فقال رسول الله ﷺ: «وأنا لا أتهم إلا ذلك بنفسي، فهذا أوان قطع أبهَري» يعني عرق الوريد. ورواه أحمد (٦/ ١٨) في «مسنده»، حدثنا إبراهيم بن خالد، حدثنا روح، حدثنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أمه أن أم مبشر ... بنحو رواية عبد الرزاق. ورواه الدارمي في «سننه» (١/ ٣٤) برقم [٦٨] قال: أخبرنا جعفر بن عون، أخبرنا محمد بن عمرو الليثي عن أبي سلمة قال: كان رسول الله ﷺ يأكل الهدية ولا يقبل الصدقة، فأهدت له امرأة من يهود خيبر شاة مصلية (وذكر القصة) وبآخره فقال في مرضه: «ما زلت من الأكلة التي أكلت بخيبر، فهذا أوان انقطاع أبهري» وهذا مرسل.

(١) انظر: «تغليق التعليق» للحافظ (٤/ ١٦٢).

1 / 7

ورواه الحاكم من طريق أحمد سواء إلا أنه قال رباح بدل روح .. قال الحاكم: هذا صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وأقره الذهبي (٣/ ٢١٩). وأخرجه أبو داود في كتاب الديات باب فيمن سقى رجلًا سمًّا أو أطعمه فمات أيقاد منه؟ (١٢/ ٢٣٢ عون) من طريق وهب بن بقية عن خالد عن محمد بن عمرو، فذكره مثل رواية الدارمي مرسلًا، ورواه متصلًا، قال: حدثنا مخلد بن خالد، قال: أخبرنا عبد الرزاق .. فذكره بمثل رواية أحمد لكنه قال عن ابن كعب بن مالك عن أبيه: قال المزي في الأطراف (٨/ ٣١٧): حديث أم مبشر أخرجه أبو داود في الديات عن مخلد بن خالد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه به، وعن أحمد بن حنبل عن إبراهيم بن خالد، عن رباح، عن معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه أن أم مبشر دخلت على النبي ﷺ .. فذكر معنى حديث مخلد بن خالد، قال أبو سعيد الأعرابي: كذا قال: «عن أمه» والصواب «عن أبيه» عن أم مبشر. وأخرج البيهقي أصل القصة دون الشاهد المذكور، وقال السيوطي: في «الخصائص الكبرى» (٢/ ٢٧٠) باب: إعطائه ﷺ مع النبوة فضيلة الشهادة. وذكر أثر عائشة، وقال: أخرج أحمد وابن سعد وأبو يعلى والطبراني والحاكم والبيهقي عن ابن مسعود، أنه قال: «لأن أحلف تسعة أن رسول الله ﷺ قُتل قتلًا أحب إلى من أن أحلف واحدة وذلك بأن الله اتخذه نبيًّا وجعله شهيدًا».

1 / 8

وهذا الأثر صححه أحمد شاكر في حاشيته على «المسند» (٥/ ٢٢٠)، وانظر: مسند أبي يعلى (٩/ ١٣٢) (١).

(١) استحسن الشيخ هذا البحث وأخذ صورة منه.١٣/ ٦/١٤١٢هـ.

1 / 9

من فضائل التوحيد حديث: «جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله: ما تركت حاجة ولا داجة إلا قد أتيت! قال: «أليس تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم، قال: فإن ذلك يأتي على ذلك». رواه أبو يعلى في «مسنده» (٦/ ١٥٥) وفي معجم شيوخه حديث رقم [٢٦٦] قال: حدثنا عمرو بن الضحاك بن مخلد، حدثنا أبي، حدثنا مستور بن عبَّاد الهنُائي، حدثنا ثابت عن أنس سدد خطاكم قال: فذكره. ورواه البزار (كشف ٤/ ٧) عن الضحاك به، وقال: لا نعلم روى مستور عن ثابت عن أنس إلا هذا. ورواه الطبراني في معجميه «الصغير» و«الأوسط» (مجمع البحرين ٧/ ٣٢٥) عن الضحاك به، وقال: لم يروه عن ثابت إلا مستور تفرَّد به أبو عاصم. وقال في «المجمع» (١٠/ ٨٣): رواه أبو يعلى والبزار بنحوه، والطبراني في «الصغير» و«الأوسط» ورجالهم ثقات. قلت: وهذا إسناد صحيح: عمرو بن الضحاك بن مخلد البصري ولد أبي عاصم ثقة كان على قضاء الشام روى له ابن ماجه، والضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل ثقة ثبت، روى له الجماعة «ومستور»، هكذا في «التهذيب» والخلاصة، وفي «الجرح» و«تاريخ البخاري» «مستورد» بزيادة دال في آخره هو ابن عباد الهنُائي ثقة روى له النسائي. وثابت بن أسلم البُناني ثقة عابد روى له الجماعة. وقوله: «ما تركت من حاجة ولا داجة إلا أتيت» قال ابن الأثير

1 / 10

في «النهاية»: (٢/ ١٠١) هكذا جاء في رواية بالتشديد. قال الخطابي: الحاجّة: القاصدون البيت، والداجَّة: الراجعون، والمشهور بالتخفيف، وأراد بالحاجة الحاجة الصغيرة، وبالداجة الحاجة الكبيرة. اهـ. قلت: وفي «القاموس» وشرحه: «الداجة ما صغر من الحوائج، والحاجة ما كبُر منها» فعكسه والخطب يسير، والله أعلم.

1 / 11

ظهور ملك الموت عيانًا لمن كان قبل موسى ﷺ - حديث: «إن ملك الموت كان يأتي الناس عِيانًا فأتى موسى بن عمران فلطمه موسى ففقأ عينه، فعرج ملك الموت فقال: يا ربِّ إن عبدك موسى فعل بي كذا وكذا، ولولا كرامته عليك لشققت عليه، فقال الله: إيتِ عبدي موسى فخيِّره بين أن يضع يده على متن ثور فله بكل شعرة وارته كفُّه سنة، وبين أن يموت الآن، فأتاه فخَّيره فقال موسى: فما بعد ذلك؟ قال: الموت، قال: فالآن إذًا، فشمَّه شَمَّةً فقبض روحه وردَّ الله عليه بصره فكان بعد ذلك يأتي الناس في خفية». أخرجه أحمد في «مسنده» (١) (٢/ ٥٣٣): حدثنا أمية بن خالد ويونس قالا: ثنا حماد ابن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن أبي هريرة سدد خطاكم قال: قال رسول الله ﷺ فذكره. ورواه الطبري في «تاريخ الأمم والملوك» (١/ ٤٣٤): حدثنا أبو كريب، حدثنا مصعب ابن المقدام عن حماد به. ورواه الحاكم في «المستدرك» (٢/ ٥٧٨) من طريق حماد به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. أمية بن خالد أخو هدبة بن خالد صدوق من رجال مسلم، وحماد مشهور ثقة عابد تغيَّر حفظه بأخره، وروى له مسلم والأربعة، وعمَّار بن أبي عمَّار صدوق ربما أخطأ، روى له مسلم والأربعة، وأبو كريب محمد بن العلاء ثقة حافظ من رجال الجماعة، ومصعب ابن المقدام صدوق له أوهام، روى له مسلم وغيره. وقوله: «عِيانًا» قال في «القاموس»: ولقيته عيانًا: أي معاينة لم يشك في رؤيته إياه، والله أعلم.

(١) فائدة: الحديث في الصحيح دون أوله وهو محل البحث.

1 / 12

التبيان في صوم النصف الآخر من شعبان حديث: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا». رواه عبد الرزاق في «مصنفه» (٤/ ١٦١) عن ابن عيينة، وأحمد في «مسنده» (٢/ ٤٤٢)، حدثنا وكيع، حدثنا أبو العميس عتبة، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (٢/ ٢٨٤)، حدثنا وكيع به والدارمي في «سننه» (١/ ٣٥٠)، أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثنا عبد الرحمن الحنفي عن عبد الرحمن بن إبراهيم (ح). ورواه من طريق الحكم بن المبارك عن عبد العزيز بن محمد. ورواه أبو داود عون (٦/ ٤٦٠) بذل (١١/ ١٣٣)، حدثنا قتيبة بن سعيد، أخبرنا عبد العزيز به. ورواه الترمذي في «جامعه» تحفة (٣/ ٤٣٧)، حدثنا قتيبة به. ورواه ابن ماجه في «سننه» (١/ ٥٢٨)، حدثنا أحمد بن عبدة، ثنا عبد العزيز بن محمد، ح وحدثنا هشام بن عمار، ثنا مسلم بن خالد. وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٢/ ٨٢)، حدثنا ابن مرزوق، ثنا حبان ويعقوب بن إسحاق قالا: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم. ورواه ابن حبان في «صحيحه» (٨/ ٣٥٥)، (٨/ ٣٥٨) من طريق الحسن بن حبيب، ثنا روح بن القاسم (ح) ومن طريق أبي عامر العقدي، ثنا زهير بن محمد. ورواه النسائي في «الكبرى» (٢/ ١٧٢)، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أنبأنا محمد بن ربيعة عن أبي العميس به. ورواه ابن حزم في «المحلى» (٧/ ٢٦) من طريقين عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي وسفيان، كلهم جميعًا عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة سدد خطاكم أن النبي

1 / 13

ﷺ قال: فذكره. فصل في ألفاظ المخرجين لفظ النسائي وأبي داود والبيهقي: «إذا انتصف شعبان». فلفظ النسائي: «فكفوا عن الصون» ولفظ أبي داود والبيهقي: «فلا تصوموا». ولفظ أحمد وابن أبي شيبة: «إذا كان النصف من شعبان فأمسكوا عن الصوم حتى يكون رمضان». ولفظ عبد الرزاق وابن حبان: «فافطروا» زاد ابن حبان «حتى يجيء رمضان». ولفظ الدارمي: «فامسكوا عن الصوم»، ولفظ ابن ماجه: «فلا صوم حتى يجيء رمضان». ولفظ الطحاوي: «لا صوم بعد النصف من شعبان حتى رمضان»، واللفظ الآخر لابن حبان: «حتى يجيء شهر رمضان». ولفظ الترمذي: «إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا». واللفظ الآخر للبيهقي: «إذا مضى النصف من شعبان فأمسكوا عن الصيام حتى يدخل رمضان». فصل في علل الحديث ١ - نكارته ومخالفته للأحاديث الصحيحة، قاله ابن رجب في «اللطائف» ص [٢٦٠] ط. السواس. ونقله عن أحمد وغيره. وقد تكلم في العلاء غير واحد من الحفاظ والأئمة بسبب هذا الحديث. ٢ - دعوى النسخ نقله ابن رجب عن الطحاوي، وانظر: «شرح المعاني» (٢/ ٨٧). ٣ - دعوى ترك العمل به نقله ابن رجب عن الطحاوي. ٤ - مخالفة راوي الحديث له، فأبو هريرة كان يصوم في النصف الثاني من شعبان، نقله العيني في «شرح البخاري» (٩/ ١٥٣).

1 / 14

٥ - دعوى تفرد العلاء به، وأنه لم يتابعه أحد نقل ذلك ابن القيم في «تهذيب السنن» (٣/ ٢٢٣). فصل فيمن ضعف الحديث من الأئمة ١ - الإمام أحمد نقله أبو داود عنه ذكره البيهقي في «سننه»، ونقله ابن رجب في اللطائف وابن حجر والعيني. ٢ - عبد الرحمن بن مهدي نقله أبو داود في «سننه» عنه وابن رجب والعيني. ٣ - ابن معين نقله الحافظ عنه في «الفتح» ونقله ابن حزم عنه. ٤ - أبو زرعة الرازي نقله ابن رجب وانظر: «أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية» ص [٣٨٨]. ٥ - الأثرم نقله ابن رجب. ٦ - النسائي. ٧ - الخليلي. ٨ - البيهقي في «سننه» فقد قال باب الرخصة في ذلك بما هو أصح من حديث العلاء (٤/ ٢٠٩). ٩ - ظاهر كلام ابن رجب في لطائف المعارف. فصل في رد علل الطاعنين ١ - نكارته ومخالفته .. وردت بأجوبة: (أ) أن النهي لمن لم يكن له عادة فإن كان له عادة فليصم. (ب) أو من أنشأ الصوم بعد النصف، وإن صام قبل النصف فلا بأس حتى لو صام شعبان كله أو أكثره فلا يخالف أحاديث صيام شعبان (١).

(١) خلاصة ما قاله ابن القيم في «تهذيب السنن»، وابن حجر، والعيني، والهيتمي كما في فتاويه (٢/ ٧٧).

1 / 15

(ج) أن النهي للكراهة وقوله: لا تقدموا شهر رمضان بصوم يوم أو يومين للتحريم فلا منافاة (١). (د) أن النهي لمن يفعل ذلك لحال رمضان (٢). (هـ) أن ذلك لمن يضعفه الصوم (٣). ٢ - دعوى النسخ: وردَّها ابن حزم بقوله: ومن ادعى النسخ فقد كذب وقفا ما لا علم له به. قلت: والقاعدة: أن الجمع إذا أمكن مقدم على النسخ. ٣ - دعوى ترك العمل به ويكفي في ردها تصحيح الأئمة له، وسيأتي ذكر أسمائهم -إن شاء الله- وإفتاؤهم بموجبه، انظر: «المجموع» مثلًا (٦/ ٤٥٢). ٤ - دعوى أن أبا هريرة لم يكن يعمل به .. وتلك لعمر الله شكاة زائل عنك عارُها .. فيكفي أن يصح عن سيد المرسلين وهذا المسلك مسلك ضعيف يقوم على أساس إذا خالف الراوي ما روى فيؤخذ بما رأى لا بما روى؛ لأنه أدرى بمرويه والجمهور على خلافها، وأن الحجة في روايته المعصومة ويلتمس له العذر. وانظر: «المحلى» (٧/ ٢٦). ٥ - دعوى تفرد العلاء به .. وردَّت بأن هذا لا يقدح في صحته وهو حديث على شرط مسلم، فإن مسلمًا قد أخرج عدة أحاديث عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة، وتفرده به تفرد ثقة بحديث مستقل وله عدة نظائر في الصحيح. والتفرد الذي يُعلل به هو تفرد الرجل

(١) نقله الصنعاني في «السبل»، وقبله الحافظ عن الروياني. (٢) قاله الترمذي في «جامعه»، وحكاه ابن رجب. (٣) انظر: «المجموع» (٦/ ٤٥٤) ونقله ابن رجب.

1 / 16

عن الناس بوصل ما أرسلوه أو رفع ما وقفوه، أ. هـ. من «تهذيب السنن». ٦ - وأوردت أيضًا علة عليلة بأن العلاء لم يسمعه من أبيه، قال ابن القيم: وأما كون العلاء لم يسمعه من أبيه فهذا لم نعلم أحدًا علل الحديث به، فإن العلاء قد ثبت سماعه من أبيه، وفي صحيح مسلم عن العلاء عن أبيه بالعنعنة غير حديث، وقد قال عباد ابن كثير لقيت العلاء بن عبد الرحمن وهو يطوف، فقلت له: برب هذا البيت حدثك أبوك عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: فذكره؟ فقال: وربِّ هذا البيت سمعت أبي يحدث عن أبي هريرة عن النبي ﷺ فذكره. ٧ - وقد أثار بعضهم علة دقيقة في متنه نقلها الزيلعي «نصب» (٢/ ٤٤١) عن ابن القطان خلاصتها: أنه وقع في بعض ألفاظ الحديث فأمسكوا، وفي بعضها فكفوا، وهذان اللفظان نهي عن التمادي في الصوم .. اهـ كلام ابن القطان بمعناه، ووجه كون هذه علة أنه إذا كان نهي عن التمادي استحكمت مخالفته للأحاديث الصحيحة وتعيَّن إطراحه، وتردّ بأن لفظة كفوا وأمسكوا تأتي لمنع التمادي ولمنع الابتداء، فمن الأول قول الرجل للنبي ﷺ: هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها، ومن الثاني ما جاء في حديث أبي ذر عن مسلم مرفوعًا ... وتكف شرك عن الناس فإنه صدقة منك على نفسك، وحديث أبي سعيد الخدري في بعض ألفاظه في بيان حقوق الطريق ... غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام. فصل في ذكر أسماء المصحِّحين للحديث ١ - أبو داود حيث سكت عنه وأجاب عن تعليل أحمد له عقبه. ٢ - الترمذي، قال عقبة: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح.

1 / 17

٣ - الطحاوي. ٤ - ابن حبان في صحيحه. ٥ - الحاكم، نقله عنه ابن رجب في «اللطائف» وعمن تقدم سوى أبي داود. ٦ - ابن حزم كما في «المحلى». ٧ - ابن عبد البر نقله عنه رجب. ٨ - ابن عساكر، نقله عنه العيني. ٩ - النووي وهو ظاهر صنيعه في «المجموع». ١٠ - ابن القيم كما في «تهذيب السنن». ١١ - ابن حجر الهيتمي في فتاويه. ١٢ - السيوطي في «الجامع الصغير». ١٣ - المحدث الفقيه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ﵀. المحدث الألباني ﵀ كما في «صحيح الجامع» (١). * والذي يترجَّح عندي أن الحديث منكر، وهذا جارٍ على قواعد المتقدمين. لا إشكال عندهم في ذلك.

(١) تم إعداده في ٩/ ٨/١٤١٤هـ.

1 / 18

المسك المدوف في حل حديث عبد الرحمن بن سمرة في الكسوف «عن عبد الرحمن بن سمرة سدد خطاكم قال: بينما أنا أرمي بأسهمي في حياة رسول الله ﷺ، إذ انكسفت الشمس فنبذتهن، وقلت: لأنظرن إلى ما يحدثُ لرسول الله ﷺ في انكساف الشمس اليوم، فانتهيت إليه وهو رافع يديه، يدعو ويكبر ويحمد ويهلل، حتى جُلِّي عن الشمس، فقرأ سورتين وركع ركعتين». وفي لفظ: «فأتيته وهو قائم في الصلاة رافع يديه». ... أخرجه مسلم «نووي» (٦/ ٢١٦) وأبو داود «عون» (٤/ ٥٨)، والنسائي في «الكبرى» (١/ ٥٦٦)، و«المجتبى» (٣/ ١٢٥)، وابن خزيمة في «صحيحه» (٢/ ٣١٠)، وابن المنذر في «الأوسط» (٥/ ٢٩٤)، والحاكم في «المستدرك» (١/ ٣٢٩)، والبيهقي في «السنن» (٣/ ٣٣٢)، كلهم من طرق عن سعيد بن إياس الجريري عن حيَّان بن عمير عن عبد الرحمن به. قال النووي في «شرح مسلم»: «وهذا مما يُستشكل ويظن أن ظاهره أنه ابتداء صلاة الكسوف بعد انجلاء الشمس وليس كذلك؛ فإنه لا يجوز ابتداء صلاتها بعد الانجلاء، وهذا الحديث محمول على أنه وجده في الصلاة كما صرَّح به في الرواية الثانية، ثم جمع الراوي جميع ما جرى في الصلاة من دعاء وتكبير وتهليل وتسبيح وتحميد وقراءة السورتين في القيامين الآخرين للركعة الثانية، وكانت السورتان بعد الانجلاء تتميمًا للصلاة فتمت جملة الصلاة ركعتين أولها في حال الكسوف وآخرها بعد الانجلاء، وهذا الذي ذكرته من تقدير لابد منه

1 / 19

لأنه مطابق للرواية الثانية ولقواعد الفقه، ولرواية باقي الصحابة، والرواية الأولى محمولة عليه أيضًا لتتفق الروايتان، ونقل القاضي عياض عن المازري أنه تأوله على صلاة ركعتين تطوعًا مستقلًا بعد انجلاء الكسوف لا أنها صلاة كسوف، وهذا ضعيف مخالف لظاهر الرواية الثانية، والله أعلم. وقال على قوله: «وهو قائم في الصلاة رافع يديه» .. فيه دليل لأصحابنا في رفع اليدين في القنوت ورد على من يقول لا ترفع الأيدي في دعوات الصلاة» اهـ. وقال الطيبي في «شرح المشكاة» (٣/ ٢٦٥): قوله: «حسر عنها» أي أزيل، وأذهب عن الشمس خسوفها يعني دخل رسول الله ﷺ في صلاة الكسوف ووقف في القيام الأول وطوَّل التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد حتى ذهب الخسوف، ثم قرأ القرآن وركع وسجد ثم قام في الركعة الثانية وقرأ فيها القرآن وركع وسجد وتشهد وسلم» اهـ. وبوَّب على حديث الترجمة ابن خزيمة وابن المنذر بقولهما: باب رفع اليدين عند الدعاء والتسبيح والتكبير والتحميد في الكسوف. والذي تحرر لي أن الحديث وإن كان ثابت الأصل إلا أن سياقه غير محفوظ لوجوه: ١ - إن لفظة النسائي في «المجتبى» و«الكبرى» تدل على أن الدعاء والتسبيح وقع قبل الصلاة ولفظه: «فأتيته مما يلي ظهره وهو في المسجد فجعل يسبح ويكبر ويدعو حتى حسر عنها ثم قام فصلى ركعتين وأربع سجدات». ٢ - إن الراجح في صفة صلاة الكسوف أن تصلى بركوعين في كل ركعة كما في حديث عائشة وابن عباس وعبد الله بن عمرو وكلها متفق عليها، وليس في شيء منها ذكر التسبيح والدعاء ورفع

1 / 20

اليدين في الصلاة، وفي هذه الأحاديث المتفق عليها ذكر أشياء حفظت عنه ﷺ من تقدمه لتناول العنب من الجنة وتأخره مما يدل على أن الراوي حفظ ما لم يحفظ غيره، فعائشة وابن عباس ﵄ حفظا الواقعة قبل دخوله في الصلاة وفي أثنائها وبعد انصرافه منها، وعبد الرحمن إنما أتى ووجده في الصلاة فشهدا ما لم يشهد أولًا. ٣ - أن التجلي إنما حصل بعد الصلاة كما في حديث عبد الله بن عمرو الذي أخرجه الشيخان ولفظه: «لما انكسف الشمس على عهد رسول الله ﷺ نودي أن الصلاة جامعة، فركع النبي ﷺ ركعتين في سجدة ثم قام فركع النبي ﷺ في سجدة ثم جلس، ثم جُلي عن الشمس فقالت عائشة ﵂: «ما سجدت سجودًا قط كان أطول منها». ٤ - قال علي بن سلطان القاري في «شرح المرقاة» على قوله: «وهو قائم في الصلاة رافع يديه» لا يُعرف مذهب أنه يرفع يديه في صلاة الكسوف في أوقات الأذكار، وقال شيخنا المحدِّث عبد العزيز بن باز ﵀: «رواية عبد الرحمن مجملة وفيها خفاء وعدم وضوح والعمدة على حديث عائشة وابن عباس ﵄» اهـ. فأصاب شيخنا كبد الحقيقة، فإن هذا هو التحقيق لما تقدم، والروايات المجملة المشكلة تحمل على الروايات المبينة المفسرة حتى يتبين الأمر قال غير واحد من أئمة الحديث: إن الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه. فصل ١ - قال الحافظ ابن حجر فيما نقله عنه القاري في المرقاة: أن رفع اليدين المذكور كان لإرادة الركوع الأول، فجعل من ذلك الركوع

1 / 21

سبح .. وتعقبه بقوله: ولا يخفى ما فيه من التكلف» اهـ. ٢ - وقع في رواية لعبد الرزاق (٣/ ١٠٣) عن الثوري عن سليمان الشيباني عن الحكم عن حنش عن علي أنه أمَّ الناس في المسجد للكسوف قال: فجهر بالقراءة فقام فقرأ ثم ركع ثم قام فدعا ثم ركع أربع ركعات في سجدة يدعو فيهن بعد الركوع .. الحديث. ورواه البيهقي (٣/ ٣٣٠) من طريق الحكم به، وفي آخره: «ثم حدثهم أن رسول الله ﷺ كذلك فعل». قلت: وحنش هذا هو ابن المعتمر ابن ربيعة. قال البخاري: تكلموا فيه، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن حبان: كثير الوهم في الأخبار، ينفرد عن علي بأشياء لا تشبه حديث الثقات حتى صار ممن لا يحتج بحديثه، ووثَّقه العجلي. وقال ابن حزم: ساقط مطرح .. هذا ما عندي، وصلى الله على نبينا محمد ﷺ (١).

(١) تم إعداده يوم الخميس ٢٠/ ٥/١٤١٤هـ، وأخذ الشيخ صورة منه.

1 / 22

الزهو المعطر في تخريج حديث «قاء فأفطر» حديث: «أن النبي ﷺ قاء فأفطر». رواه أحمد في «مسنده» (٦/ ٤٤٣)، والدارمي في «سننه» (١/ ٣٤٦)، والترمذي في «جامعه» (١/ ١٤٢)، وأبو داود في «سننه» (٧/ ٨) «عون»، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٢/ ٩٦)، والبيهقي في «سننه» (٤/ ٢٢٠)، وابن خزيمة في «صحيحه» (٣/ ٢٢٤)، وابن حبان (٣/ ٣٧٧)، والحاكم في «مستدركه» (١/ ٤٢٦)، والدارقطني في «سننه» (١/ ١٥٨)، والبغوي في «شرح السنة» (١/ ٣٣)، وغيرهم من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه عن حسين المُعلِّم عن يحيى بن أبي كثير، حدثني عبد الرحمن الأوزاعي عن يعيش بن الوليد المخزومي عن أبيه عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء سدد خطاكم «أن رسول الله ﷺ قاء فأفطر، فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت له ذلك فقال: صدق أنا صببت له وَضوءه». ورواه ابن حزم في «المحلى» (١/ ٢٥٨) من الطريق نفسها بلفظ: «قاء فتوضأ». وفي نسخة للترمذي: «قاء فأفطر فتوضأ» (١). وهذا إسناد جيد، فاللفظان محفوظان «قاء فأفطر فتوضأ» ويدل لذلك تصديق ثوبان لأبي الدرداء بقوله: «صدق أنا صببت له وَضوءه». ويشهد له رواية عبد الرزاق في مصنفه (١/ ١٣٨) عن معمر عن يحيى عن يعيش بن الوليد عن خالد بن معدان عن أبي الدرداء سدد خطاكم قال: «استقاء رسول الله ﷺ فأفطر، وأتي بماء فتوضأ». لكن طعن الترمذي في رواية معمر هذه فقال: «روى معمر هذا

(١) وعليها بوب في كتاب الطهارة: باب ما جاء في الوضوء من القيء.

1 / 23