بعد الفقرة التي كتبها عن طالب أكسفورد ببعض الوقت، ولكن في موضع لاحق لها مباشرة داخل النص، سجل نيوتن سلسلة من تجاربه الخاصة على الخيال والرؤية. ففي مرحلة ما في عام 1665، أجرى نيوتن سلسلة من التجارب الخطيرة على بصره تضمنت التحديق في الشمس لفترة زمنية ممتدة. ودونت هذه التجارب كتجارب شخصية، ولكن وصفه المفصل لسلسلة من التجارب كان يحوي إشارة تدل على وجود انفصال موضوعي عنها. فبعد أن حدق في الشمس لبعض الوقت بعين واحدة، لاحظ أن جميع الأجسام ذات الألوان الفاتحة بدت له حمراء اللون، بينما الأجسام الداكنة بدت مائلة إلى الزرقة. ومن النظرة الأولى بدت الورقة البيضاء حمراء حين نظر إليها بالعين المصابة، ولكن نفس الورقة بدت خضراء «إذا نظرت إليها عبر ثقب صغير للغاية بحيث لا يصل لعيني سوى شعاع ضوء بسيط».
لم تنته التجربة بأي حال، إذ إنه عندما خمدت حركة «الأرواح» في عينيه (حسبما كان يعتقد)، استطاع أن يخلق صورة تلوية أو طيفا للشمس بإغلاق عينه. وهناك ظهرت بقعة زرقاء اللون صارت أفتح في المنتصف، وأحيطت تدريجيا بدوائر متحدة المركز، ألونها الأحمر والأصفر والأخضر والأزرق والبنفسجي. ومن خلال تنويع التجربة تحت ظروف مختلفة، لاحظ أن البقعة تتحول إلى الأحمر في بعض الأحيان. وعندما كان يفتح عينه مرة أخرى، كان يرى ألوانا بالضبط كما حدث بعد التجربة الأولى. فخلص إلى أن الشمس وخياله يتبعان نفس الأسلوب في التأثير على الأرواح الكامنة في عصبه البصري والمخ. ونظر بالخارج إلى سحابة وشاهد نفس الآثار المائلة للحمرة («والتي تميل أكثر للسواد في معظمها») مثلما حدث عندما حدق في الورقة البيضاء، وبعد فترة استطاع أن يجعل بقعة «تتألق وسط الأحمر القاتم» حين نظر إلى سحابة كانت براقة لدرجة أدمعت عينيه.
إن حقيقة أن هذه التجربة لم تكن سوى بداية لسلسلة من مثل هذه التجارب تبوح بالكثير عن إخلاص نيوتن الشديد لمهمته على نحو فريد من نوعه. فبعد أن منح عينه قدرا من الراحة، انتظر حتى ساعة بعد الغسق «وكرر التجربة السابقة كاملة ». وفي تلك المرة، حين نظر بعينه السليمة إلى أجسام بيضاء مثل ورقة أو سحب، استطاع أن يرى صورة للشمس على خلفيتها، وكانت الصورة محاطة ب «بحمرة قاتمة وسواد». ووجد شبه استحالة في تجنب رؤية صورة للشمس، ما لم يحاول جاهدا لتركيز خياله على مهام أخرى. وحين كانت صورة الشمس محتملة بالكاد في أي من العينين، استطاع أن يتخيل أشكالا عديدة في الموضع الذي كانت فيه الشمس، «وربما كانت تتجمع معا لدرجة تجعل أضعف الناس بصرا يجزم بأن أوضح خيالات الأشياء مرئية وظاهرة». وأضاف: «ومن هنا، قد يجتمع شيء من طبيعة الجنون والأحلام معا». وكانت تلك هي القوة الثابتة لهذه التجارب، حتى إن نيوتن سردها تفصيلا لجون لوك في عام 1691، وسردها مرة أخرى لجون كوندويت في عام 1726، مخبرا إياه أنه لا يزال بإمكانه استدعاء صورة للشمس إذا ركز تفكيره عليها.
نظرية جديدة عن الضوء والألوان
بعد فترة من الفقرة المبدئية التي كتبها عن الألوان، سجل نيوتن مجموعة من التجارب بالموشورات الزجاجية على صفحة جديدة بنفس العنوان. من خلال هذه التجارب، لم يفند نيوتن النظرية الأرسطية عن الضوء والألوان فحسب، بل تحدى أيضا المعالجات الموجودة لهذا الموضوع في أعمال ديكارت وبويل وهوك الحديثة. وليس بالإمكان تحديد التاريخ الذي عكف فيه نيوتن على هذه الأبحاث بوضوح، ولكن في تقارير لاحقة، ركز دافعه المبدئي لأبحاثه في جهوده التي بذلها لاستنساخ تقرير ديكارت عن تجاربه التي أجراها بموشور زجاجي في مقاله «الانكسار». في هذا العمل، ذهب ديكارت إلى أن الألوان التي تنتج عن طريق انتقال الضوء عبر موشور لتنعكس على حائط على بعد 50 سنتيمترا عن الموشور تفسر العمليات الداخلة في تكوين قوس قزح. وفي مرحلة ما، اقتنى نيوتن موشورا من أجل استنساخ «ظاهرة الألوان الشهيرة» تلك، ولكن الفقرات التجريبية الأولى التي كتبها في مفكرة «الأسئلة الفلسفية» تشير إلى استعانته بأداتين.
كان التعليق الأول في القسم الجديد عن الألوان عبارة عن اقتراح باختبار ما إذا كان مزيج من اللون الأزرق والأحمر الموشوري يؤدي إلى تكوين اللون الأبيض . وكان نيوتن قد انتقد بالفعل النظريات القديمة التي تعتبر أن أي لون هو عبارة عن مزيج من الأسود والأبيض، أو تلك التي تفترض أن الألوان قد نشأت عن طريق امتزاج الظلال بالضوء. وفي موضع آخر بالمفكرة، تعرض نيوتن بالنقد أيضا لفكرة أن الضوء ينتج عن الضغط. فهذا خطأ لا محالة، لأن ضغط الدوامة الذي يثقلنا كان ليجعلنا نرى ضوءا ساطعا طوال الوقت، فيما يكون المرء قادرا على الرؤية في الظلام من خلال مجرد الركض فقط. وأخيرا، هاجم نيوتن النظريات الموجية للضوء على أساس أن الضوء ينتقل في خطوط مستقيمة، بينما الموجات أو «النبضات» التي تنتقل عبر وسط أثيري ليست كذلك. وفي مرحلة مبكرة، أصبح مقتنعا بفكرة أن الضوء يتألف من جسيمات أو كريات، وهو افتراض تعارض مباشرة مع فكرة «النبضات» الموضحة في كتاب روبرت هوك «ميكروجرافيا» الذي كان قد نشر مؤخرا آنذاك.
ورد وصف الملاحظة الرئيسية في ثالث مجموعة من التجارب، اختبر فيها نيوتن خيطا - لون نصفه باللون الأزرق والآخر باللون الأحمر - من خلال موشور. وأشار إلى أن أحد النصفين «يظهر أعلى من الآخر، وكلاهما لا يسير في خط واحد مستقيم، بسبب عدم تساوي الانكسارات في اللونين المختلفين». وقد فسر هذه القابلية المتفاوتة للانكسار في إطار السرعة الأساسية «لجسيمات» الضوء، مفترضا أن الأشعة ذات الحركة الأبطأ تنكسر على نحو مختلف عن الأشعة الأكثر سرعة، وأن الأشعة الزرقاء والبنفسجية شكلت الأشعة الأبطأ. واستنتج أن الأجسام تبدو حمراء أو صفراء كلما كان هناك امتصاص للأشعة الأبطأ، فيما ترى زرقاء وخضراء وبنفسجية حينما لا يكون هناك انعكاس للأشعة الأسرع. وكان هذا هو أساس وصفه اللاحق الأكثر تعقيدا لكيفية نشأة الألوان في الأجسام الطبيعية في إطار نزعتها «لإظهار» أنواع معينة من الأشعة. وباعتبارها جسيمات بطيئة أو سريعة الحركة، فقد كانت الأشعة الملونة سمات ثابتة للضوء العادي - الذي كان عبارة عن مزيج معقد منها - وكان الانكسار الموشوري «يظهر» الأشعة الفردية ولكن لا «ينتجها». وتعارض ذلك مع المفهوم المتفق عليه عموما بأن الألوان الموشورية قد نشأت من خلال «تعديلات» أحدثها الانكسار، وكان بمنزلة تهديد لكل من التفسيرات الأرسطية والتفسيرات الميكانيكية القياسية للضوء والألوان.
كذلك لم تنفصل أعمال نيوتن في هذه المرحلة عن فهمه للطريقة التي تساهم بها العين في تجربة الألوان، وبدأ في إجراء سلسلة من التجارب البصرية تساوت مع تجارب التحديق في الشمس في درجة الإضرار بالعين. فقد شوه عينه عن طريق الضغط العنيف عليها من أحد جانبيها، محدثا عددا من «الخيالات»، ثم أشار إلى أنه قد رأى «صورا وخيالات تشع حيوية» عن طريق «وضع شريحة من النحاس بين عيني وبين العظمة في موضع أقرب لمنتصف غلالة الشبكية مما أستطيع أن أضع إصبعي». وكرر نيوتن هذا الفعل في عدد من المناسبات، مجربا إياه في الظلام، وأيضا بدرجات مختلفة من الضغط. ولا داعي لذكر أن لا أحد آخر في تلك الفترة أتى بشيء مشابه لذلك من قريب أو بعيد.
قياس الانكسارات
واصل نيوتن تجاربه البصرية فيما يسمى مفكرته «الكيميائية»، التي أدرج فيها مقالا آخر بعنوان «عن الألوان». كان ذلك مشروعا مختلفا على نحو جذري، إذ بدأ ببيان لفحص أجري على خيط ذي لونين عبر موشور، ولكنه ضم بعد ذلك سلسلة من التجارب المبتكرة للغاية على الانعكاس والانكسار. وفيما كان معاصروه (الذين لم يعرفوا بإمكانية تفاوت القابلية للانكسار) قد أسقطوا أشعة منكسرة على بعد متر أو نحو ذلك على أقصى تقدير، أوضح نيوتن أن الأشعة الملونة المختلفة تختلف في معاملات انكسارها عن طريق إسقاط أشعة منكسرة على حائط على بعد 7 أمتار (22 قدما و4 بوصات). ففي غرفة مظلمة، سمح لضوء الشمس بالدخول عبر فتحة صغيرة للغاية وسط الستائر، ليجد أن الأشعة عندما انكسرت عبر موشور مثلث الشكل، كونت شكلا مستطيلا وليس دائريا على الحائط. وكما أشار من قبل، فقد انكسرت الأشعة الزرقاء أكثر من الحمراء، وإن كان قد حرص أيضا على الإشارة إلى أن الحمرة والزرقة لم تكونا صفتين أساسيتين للأشعة، ولكنهما كانتا الشكل الذي بدت به الأشعة للعين. وبقياسات فائقة الدقة، قرر أن الأشعة مختلفة الألوان التي تنبثق من الموشور لها درجات الانكسار الخاصة بها، وهي حقيقة لم يكن أحد قد لاحظها حتى ذلك الحين.
صفحة غير معروفة