في عام 1609، حول جاليليو زوجا من العدسات إلى آلة أتاحت له تكبير الأشياء. وأدار هذا «التلسكوب» نحو السماء، وأدرك أن كوكب المشتري له مجموعة من الأقمار تدور حوله، مثلما تدور الكواكب حول الشمس. وفي كتابه القصير «الرسالة الفلكية» الصادر عام 1610، صرح أيضا بأن القمر به جبال وأودية، وأن درب التبانة يتألف من آلاف النجوم. وفي عام 1613، زاد في تحديه للنظرية التقليدية السائدة، التي كانت تقضي بأن السماء «منزهة عن العيب»، وذلك من خلال إثبات أن الشمس بها بقع. وقد أضاف كبلر قانونه الثالث في كتابه «انسجام العوالم» الصادر عام 1619، والذي نص على أنه بالنسبة لأي مدار كوكبي، فإن مكعب متوسط المسافة بين الشمس والكوكب يتناسب طرديا مع مربع فترة دوران الكوكب حول الشمس. وفيما دحضت اكتشافات جاليليو بفاعلية الاعتقاد في كمال السماء، كانت لقوانين كبلر أهمية محورية لنيوتن في إثبات الفرضيات الأساسية في كتاب «المبادئ الرياضية».
لم ينته إسهام جاليليو في علوم القرن السابع عشر عند أعماله في علم الفلك. ففي عام 1632، أقدم بشجاعة على نشر كتابه «حوار حول النظامين الأساسيين للكون»، وهو عمل حاول إثبات النظام الكوبرنيكي للعالم. وبسبب ذلك وضع قيد الإقامة الجبرية في منزله حتى نهاية حياته في عام 1642، على الرغم من صدور رائعته «حوارات وبراهين رياضية لعلمين جديدين» في عام 1638. وكان أرسطو يفترض أن الأجسام المقذوفة قد تعرضت في البداية لحركة «عنيفة» ثم سيطرت عليها بعد ذلك الحركة «الطبيعية» التي دفعت الجزيئات الأرضية للجسم إلى أسفل نحو موضعها الطبيعي. وذهب أيضا إلى أن الأجسام تسقط بسرعات تتناسب مع وزنها. بدلا من ذلك، أعلن جاليليو في كتاب «الحوارات» أن مسار المقذوفات قطع مكافئ، بينما المكون الرأسي لأي جسم بالقرب من سطح الأرض يمكن التعبير عنه كقانون ينص على أن إجمالي المسافة التي تسقط منها الأجسام من أي وزن أو «حجم» رأسيا تتناسب مع مربع الوقت المستغرق في السقوط. كذلك أوضح أن الأسباب الفيزيائية للجاذبية غير ذات أهمية، وفي الواقع سوف تكون بالغة الصعوبة في اكتشافها، فيما يعد تعارضا آخر مع المشروع الأرسطي بأسره. ومن خلال إظهاره أن عددا من الظواهر في المجال الأرضي يمكن حسابها رياضيا، أرسى جاليليو قواعد علم الميكانيكا الحديث. ويعد انتصار نيوتن الأكبر - والموضح في كتابه العظيم الذي يحمل نفس الاسم - هو توضيح أن «المبادئ الرياضية» كانت أساس العديد من الظواهر الطبيعية.
ثمة بعد أساسي آخر للعلم الحديث موضح في أعمال فرانسيس بيكون. ففي نفس الوقت الذي كان فيه جاليليو وكبلر عاكفين على وضع علم الفلك والميكانيكا، كان بيكون يروج لفكرة أن الطريقة المناسبة لفهم الطبيعة هي الاندماج معها مباشرة بدلا من التعامل معها من خلال النصوص الأرسطية (أو أي نصوص أخرى). وذهب بيكون إلى أن إجراء مشروع تعاوني هو الطريق الأوحد لتحقيق تقدم في الفلسفة الطبيعية، وفي إطار ذلك أشار إلى الاكتشافات الأخيرة لقارة أمريكا والمحيط الهادي وأشاد بالتطورات التي حققتها الفنون والحرف. فإبداء ملاحظات عن حقائق منفصلة من شأنه أن يزيد المعرفة بالعالم المرئي، بينما التجارب المصممة جيدا من شأنها تحليل العالم الطبيعي إلى أجزائه الأساسية المكونة له، واستخراج معلومات عن أسرار الطبيعة الحقيقية. وقد أشاد بيكون أيضا بالطريقة التي استعد بها الخيميائيون لتحليل الطبيعة، وإن كان قد أسف لأساليب حياتهم المنغلقة ولغتهم الاصطلاحية الغامضة.
لم يكن جميع المعادين للأرسطيين يتفقون على أن مشروع جاليليو هو الطريقة الملائمة لكشف الحقائق العلمية. فقد أعد رينيه ديكارت وصفا معقدا لنوعيات البنى متناهية الصغر التي تشكل أساس العالم المادي. فافترض أن الظواهر المتواجدة في العالم من حولنا والتي تشبه الماكينات تعمل أيضا على المستوى غير المرئي. وافترضت فلسفته الميكانيكية وجود عالم مجهري غير مرئي مأهول بالكلابات والبراغي تؤدي إلى تماسك العناصر معا. وقد فسرت ظواهر واسعة النطاق، على غرار المغناطيسية، والحرارة، والجاذبية، والكهرباء، من خلال نشاط «دوامة» شمسية عملاقة، خلفت آثارا كبيرة على الظواهر الأرضية من خلال قذف أشكال متعددة من المادة. شارك ديكارت جاليليو في مناهضته للمنهج الأرسطي (وشاركه أيضا تأييده وتأييد كبلر للمنهج الكوبرنيكي، وإن كان سرا)، ولكنه اتهم العالم الإيطالي بأنه «يبني دون أساس»، قائلا إن التفسيرات العلمية ينبغي أن تصاغ في إطار الأسس الميكانيكية المجهرية للطبيعة. وكما سنرى لاحقا، فقد كان ذلك هو العمل الأكثر تأثيرا بالنسبة لنيوتن الشاب، على الرغم من أنه سرعان ما صار موضع عداء ومناهضة شديدين من جانبه.
مبتدئ في عالم الرياضيات
كان تعليم نيوتن في البداية تعليم طالب جامعي عادي بكامبريدج، وكان مطالبا بقراءة قدر معتبر من الأدب اللاهوتي والأرسطي المقرر قراءته. وربما تكون محاضرات بارو في الرياضيات في ربيع عام 1664 هي ما أثارت اهتمامه بالرياضيات الجادة، ودون نيوتن فيما بعد أنه قد قرأ كتاب ويليام أوتريد «دليل الرياضيات» وكتاب ديكارت «الهندسة» تقريبا في الفترة التي بدأ فيها بارو نشاطه في إلقاء المحاضرات. وفي شتاء عام 1664-1665، درس الرياضيات التحليلية لديكارت عن كثب (والتعليقات الواردة في نسخته من كتاب «الهندسة» والتي كتبها عالم الرياضيات الهولندي فرانز فان شوتن)، وأعمال فرانسوا فييت في الجبر، و«طريقة الكليات» لجون واليس. وباستخدام ما نطلق عليه الهندسة التنسيقية الديكارتية، أتقن المعادلات التي عرفت القطوع المخروطية المتنوعة (الدوائر، والقطوع المكافئة، والقطوع الناقصة، والقطوع الزائدة). وعلى الرغم من أنه استهان في البداية بإنجاز إقليدس في كتابه «العناصر»، فقد احترم الإنجازات القديمة لإقليدس وأبولونيوس فيما بعد، متخذا منهجهما القالب المعياري للأعمال الرياضية.
شكل 3-1: نظرية الدوامات الديكارتية: النظام الشمسي، المحيط بالشمس (S) ، ويحده النقاط
FFFFGG . أما النظم الأخرى فتحوي نجوما في مركزها.
قرب نهاية عام 1664، اكتشف نيوتن كيفية قياس «التواء» أو درجة انحدار أي منحنى عند أية نقطة. وقد عرف ذلك باسم «إشكالية المماسات»، وطورت على يد علماء رياضيات أمثال جيمس جريجوري ورينيه فرانسوا دي سلوز. وسرعان ما بنى نيوتن على منهج صاغه ديكارت أمكن من خلاله تحديد الخط المتعامد على منحنى ما (أي الخط المتعامد على المماسات) عن طريق إيجاد نصف قطر ميل دائرة كبيرة عند نقطة تماسها مع المنحنى. فأخذ نيوتن «الخطوط المتعامدة» بين نقطتين قريبتين، مما سمح للمسافة بينهما بأن تصبح صغيرة اعتباطا. حينئذ استطاع أن يوجد خط التماس لأي نقطة من خلال معادلات «تعبر» عن أي قطع مخروطي، وكذلك الحد الأقصى والحد الأدنى للمعادلات ذات الصلة. وقام بتعميم الإجراء ليعبر عن العناصر الأساسية لما نطلق عليه التفاضل، والذي يمثل من خلاله ميل المماس معدل التغيير الذي يطرأ على منحنى ما عند أي نقطة.
مع بداية شتاء عام 1663-1664، كان نيوتن قد شرع في قراءة تحليل واليس للطرق التي يمكن من خلالها إيجاد المساحات أسفل أجزاء أي منحنى بتقسيم المساحة إلى أجزاء متناهية الصغر. وفي الوقت الذي نشر فيه واليس كتابه «حساب الكميات متناهية الصغر» في عام 1655، كان معروفا أنه للمعادلات الأساسية ، فإن المساحة أسفل المنحنى بين صفر والنقطة
صفحة غير معروفة