فتحت عينيها واستدارت وهي لا تزال راقدة وراحت تحدق في صورة زوجها الموضوعة على المنضدة القريبة من الفراش، تحدق عن عمد فيها، وما لبثت أن أخرجت يدها العارية من تحت الملاءة وتناولت الصورة وقربتها إليها.
وحينئذ نطقت وقالت: أتعلم أني كنت معه. - مع من؟ - مع ألفريد. - متى؟ - حين كنت معك.
وأكملت إجابتها بضحكة، نفس الضحكة التي بدأت بها الحديث.
وظلت ممسكة بالصورة بيدها وقد حجبت الصورة وجهها، ولم يعد باديا منها إلا ذراعها التي بدت في ذلك الخليط من النور الكهربي وضوء ما قبل الشروق باهتا شاحبا يكسوه شعر أصفر خفيف.
وقبلته.
قبلت صورة ألفريد، وما لبثت أن أعادتها إلى مكانها، وقالت وهي تستدير في الفراش ليصبح وجهها إلى الحائط وظهرها إلى درش - وكأنما هي الأخرى لم يعد يهمها من أمره شيئا - قالت في شبه غمغمة نائمة: لم أكن أعلم أنه رجلي الأفريقي الذي كنت أبحث عنه.
ولم ير درش شيئا بعد هذا، فقد أحس بغليان يملأ رأسه، واستدار على أعقابه فجأة، وخرج من المنزل غاضبا وكأنه أهين.
كانت الدنيا في الخارج تحفل بزهزهة ما قبل الشروق. كل شيء هادئ وساكن يتحفز مستعدا للنهار الجديد القادم. كل شيء جديد: اليوم جديد، والناس جدد، وحتى الهواء طازج لم يتنفسه أحد بعد. وكانت البقعة لا تزال خالية من المارة، والضوء الرمادي يكتسح أمامه أضواء مصابيح الشارع فيخمد بريقها ويجعلها تبدو كالثمار التي فات أوانها.
وقبل أن يجتاز آخر بلوك في المبنى سمع درش جرس منبه يدق من بعيد في إصرار مكتوم. لا شك أنه منبهها، ولا شك أنها الآن تناضل إرهاقها وسهرها والدفء، وتحاول أن تغادر فراشها لتلحق بعملها ودنياها.
وأحس درش أنه لم يعد غاضبا عليها، وحتى لم يعد غاضبا على نفسه. كل ما أصبح يشغله في تلك اللحظة هو شعور كان قد بدأ ينبثق في نفسه وحنين غريب جارف إلى بلده، وعائلته الصغيرة، والدنيا الواسعة العريضة التي جاء منها.
صفحة غير معروفة