(قلنا) هذا ممنوع بل قد تتفاوت أنواع الضروري بواسطة التفاوت في الألف والممارسة والإخطار بالبال وتصورات أطراف الأحكام وقد يختلف فيه مكابرة وعنادا كالسوفسطائية في جميع الضروريات والخلاف فيما قالوه لفظي لا حقيقي لأن إمام الحرمين كما أفصح به الغزالي التابع له فسر كون العلم الحاصل به نظريا أخذا من كلام الكعبي بتوقفه على مقدمات حاصلة عند السامع أي على التفات نفسه إليها وملاحظته لها وتقدم علمه بها وهي كونه خبر جمع وكونهم بحيث يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب وكونهم أخبروا عن شئ محسوس لا يشتبه وهذا لا ينافي كونه ضروريا والمنافي لذلك تفسيره بالاحتياج إلى النظر عقبه هكذا قالوا وفيه نظر والحق أنه حقيقي لأن القائل بأنه نظري يشترط في حصوله تقدم العلم بالمقدمات والقائل بأنه ضروري لا يشترط ذلك بل الشرط عنده وجودها في نفس الأمر أعم من أن تكون حاصلة في النفس أو مغفولا عنها ولذا يستدلون بحصول العلم على حصولها وتوقف إلا مدى من الشافعية والمرتضي الرافضي عن القول بواحد من الضروري والنظري لتعارض دليلهما عندهما من حصوله لمن لا يتأتى منه النظر وتوقفه على تلك المقدمات المحققة له وتوقفهما يدل على أنهما فهما أن الخلاف حقيقي كما ذكرنا والتوقف هو الذي صححه صاحب المصادر أيضا والله أعلم ثم التواطؤ المذكور إن وقع بين ذلك الجمع في اللفظ والمعنى زاد بعضهم تبعا لاستظهار ابن قاسم العبادي أو في المعنى فقط مع اختلاف اللفظ لأنه وإن اختلف في حكم المتحد لاتحاد معنى سمى التواتر اللفظي وإن اختلفوا فيهما أعني في اللفظ والمعنى معا مع الاتفاق على معنى كلي ولو تضمينا أو التزاميا سمى التواتر المعنوي كوقائع حاتم في عطاياه وعلي في حروبه وعمر في عدله وجلادته وأبي ذر في زهده وكوقائع الشيخ عبد القادر الجيلاني في كراماته فإنها اتفقت على معنى كلي وهو القدر المشترك بين آحاد تلك الوقائع وهو جود هذا وشجاعة هذا وعدل هذا وزهد هذا وكرامات هذا فيكون ذلك القدر المشترك بينهما بقطع النظر عن متعلقه متواترا تواترا معنويا وإن كانت كل واقعة بانفرادها غير متواترة إلا شيئا قليلا من بعض تلك
صفحة ١٤