من هدى الحديث النبوي (1) نظم المتناثر من الحديث المتواتر، تأليف العلامة الفقيه المحدث أبي عبد الله محمد بن جعفر الكتاب الطبعة الثانية المصححة ذات الفهارس العلمية دار الكتب السلفية للطباعة والنشر بمصر
صفحة ١
تأليف الشيخ الإمام علامة الأعلام قدوة أهل التحقيق وعمدة ذوي النظر والتدقيق الفقيه المحدث الصوفي أبي عبد الله سيدي محمد بن شيخ الاسلام ومصباح الظلام أبي الفيض مولانا جعفر الحسني الإدريسي الشهير بالكتاني مما اعتنى بنشره وإشراق بدره سلطاننا الأعظم وإمامنا الأفخم جامع كلمة الاسلام بعد شتاتها ومحي رسوم الخلافة بعد مواتها حتى امتدت على الرعية طنب أمانه فلبسوا من حميد ظلها بردا سابغا وسحت عليهم سحب إحسانه فوردوا من جزيل فضلها وردا سائغا أمير المؤمنين المتوكل على رب العالمين سيدنا ومولانا (عبد الحفيظ) بن مولانا الحسن أدام الله نصره وأشاد في سماء المكارم ذكره آمين هاك نظم المتناثر * من حديث متواتر فاق في حسن نظام * عقد در وجواهر وبدا في أفق كتب * بدر تم وهو زاهر أو كروض يانع قد * ضم أصناف الأزاهر فهو للعين ضياء * وهو للسمع مزاهر
صفحة ٢
مقدمة الناشر إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(آل عمران 102) (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (1) منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) * (2) (النساء 1).
* (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا. يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) * (الأحزاب 70، 71).
أما بعد:
فإن أولى ما صرفت فيه نفائس الأيام، وأعلى ما خص بمزيد الاهتمام، الاشتغال بالعلوم الشرعية، المتلقاة عن خير البرية، ولا يرتاب عاقل في أن مدارها على كتاب الله المقتفى، وسنة نبيه المصطفى، وأن باقي العلوم إما آلات لفهمها وهي الضالة المطلوبة، أو أجنبية عنها وهي الضارة المغلوبة (2).
ولما كان واقع المسلمين في عصرنا هذا يحتاج إلى مزيد عناية من مفكري المسلمين وعلمائهم، لان هناك جفوة ألمة تقوم بين هدى النبي صلى الله عليه وسلم، وبين حياة المسلمين العملية والفكرية والمعاشية والاجتماعية.
وإنما لكارثة ألا يشعر الواعون من المسلمين وهم الآن يحاولون أن ينهضوا بأبناء أمتهم من واقع مرير بضرورة قيام طائفة من المسلمين في كل بلد لمتابعة تلك الجهود العظيمة.
.
صفحة ٣
التي بدأها الاسلاف في مجال السنة وأنفقوا في سبيلها زهرات حياتهم، حتى تركوا لنا كنوزا من المؤلفات ما أشد حاجتنا إلى الانتفاع منها وإتمامها (1).
ولما أن عزمت دار الكتب السلفية للطباعة والنشر بمصر (بتوفيق الله) على إصدار سلسلتها من هدى الحديث النبوي " مشاركة منها في تصحيح عقائد المسلمين وأعمالهم، وتجديد دعوة السلف، وحفد همم طلبة العلم: خاصة منهم طلبة علم الحديث كثر الله سوادهم، رأينا أن نبدأها بكتاب " نظم المتناثر من الحديث المتواتر " فإنه كتاب عظيم الشأن، جليل القدر، وهو من أحسن وأجمع ما صنف في بابه (2)، وذلك بعد تصحيح الأخطاء الكثيرة التي كانت في الطبعة الأولى (3)، وترتيبه ترتيبا علميا (4) بما يتناسب وأهمية موضوع الكتاب، وقمنا أيضا بعمل الفهارس العلمية في نهاية الكتاب.
والله أسأل أن يجعله خالصا لوجه، وأن ينفع به المسلمين عامة، وأهل العلم والتحقيق منهم خاصة، أنه خير مسؤول.
وسبحانك اللهم أو بحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
صفحة ٤
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد النبي الكريم.
الحمد لله الذي تواترت ألسنة الذاكرين بذكره وتمجيده، وتواطأت قلوب المحبين على حبه وتعظيمه وتوحيده. والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على انسان عين الوجود الباهر. المخصوصة أمته السعيدة بإسناد ما هو صحيح عنه وحسن ومتواتر. وعلى آله السادة. وصحابته النجوم البررة القادة.
أما بعد.
فإن علم الحديث الشريف أجل العلوم قدرا. وأكملها مزية وأعظمها خطرا. ومن حازه فقد حاز فضلا كبيرا، ومن أوتيه فقد أوتي خيرا كثيرا. ومن ظفر به ظفر بإكسير السعادة، ونال كل المنى ورزق خاتمة الحسنى والزيادة.
وقد روى عن سفيان الثوري كما ذكره ابن الصلاح في مقدمة علوم الحديث له قال: ما أعلم عملا أفضل من طلب الحديث لمن أراد به الله عز وجل.
قال ابن الصلاح وروينا نحوه عن ابن المبارك اه.
وعن المعافى بن عمران قال: كتابة حديث واحد أحب إلى من صلاة ليلة.
وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن أبي العباس المرادي قال أبى: رأيت أبا زرعة في النوم فقلت ما فعل الله بك فقال لقيت ربي فقال لي يا أبا زرعة إني أوتي بالطفل فأمر به إلى الجنة فكيف بمن حفظ السنن على عبادي تبوأ من الجنة حيث شئت.
وفي فهرسة الإمام أبي عبد الله القصار ما نصه: بشارة عظيمة قال محمد بن عبد العظيم المنذري لرائيه يعني في النوم دخلنا الجنة وقبلنا يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبشروا كل من كتب بيده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو معه في الجنة اه.
صفحة ٥
وفي أذكار النووي: عن سهل بن عبد الله التستري أحد أفراد هذه الأمة وعبادها أنه كان يأتي أبا داود السجستاني صاحب السنن ويقول أخرج لي لسانك الذي تحدث به حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأقبله، فيقبله.
وعن إبراهيم بن أدهم قال أن الله ليدفع البلاء عن هذه الأمة برحلة أصحاب الحديث.
وأخرج الشيخ أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي في كتاب الحجة على تارك المحجة بسنده إلى أحمد بن حنبل أنه قيل له: هل لله في الأرض أبدال؟ فقال نعم. قيل من هم؟ قال إن لم يكن أصحاب الحديث هم الأبدال فما أعرف لله أبدالا.
وفي العهود المحمدية كان سفيان الثوري وابن عيينة وعبد الله بن سنان يقولون لو كان أحدنا قاضيا لضربنا بالجريد فقيها لا يتعلم الحديث ومحدثا لا يتعلم الفقه اه (1).
وفي الفتوحات المكية لابن العربي الحاتمي رحمه الله أن العالم لا يطلق يوم القيامة إلا على المحدث وأما غيره فيتميز بعمله إن كان له عمل ويحشر في عموم الناس وأما أهل الحديث فيحشرون مع الرسل وهم ورثة الأنبياء وأطال في ذلك فانظره ويروى مرفوعا: " اللهم ارحم خلفائي قيل ومن هم قال الذين يأتون من بعدي يروون أحاديثي وسنتي " (2).
وفي الحديث المتواتر كما يأتي " نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها ".
دعا له بالنضرة وهي البهجة والحسن.
قال ابن عيينة ليس أحد من أهل الحديث الا وفي وجهه نضرة لهذا الحديث.
وقد كان بعض الأئمة الكبار إذا رأى أصحاب الحديث ينشد ويقول:
أهلا وسهلا بالذين أحبهم * وأودهم في الله ذي الآلاء
صفحة ٦
أهلا بقوم صالحين ذوي تقى * غر الوجوه وزين كل ملاء يا طالبي علم النبي محمد * ما أنتم وسواكم بسواء وللحافظ أبي طاهر السلفي:
دين النبي وشرعه أخباره * وأجل علم يقتفي آثاره من كان مشتغلا بها وبنشرها * بين البرية لا عفت آثاره وروى ابن عبد البر بسنده إلى عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل عن أبيه قال:
دين النبي محمد آثار * نعم المطية للفتى الأخبار لا تعد لن عن علم الحديث وأهله * فالرأي ليل والحديث نهار ولربما جهل الفتى طرق الهدي * والشمس طالعة لها أنوار وأن أهل هذا الفن قد قسموه أنواعا: ووضعوا في كل نوع منه أوضاعا:
ومن أنواعه المذكورة: الأحاديث المتواترة المشهورة، وقد نهضت قبل هذا الآوان، لجمع ما وقفت عليه منها في بطون الدفاتر ومقيدات الإخوان، حتى جمعت منها جملة وافرة، وعدة جليلة متكاثرة، ولما خفت عليها من الدروس والضياع، جمعتها مقيد للانتفاع (وسمته بنظم المتناثر من الحديث المتواتر) وكان ذلك قبل وقوفي للسيوطي على أزهاره المتناثرة، الذي لخصه في فوائده المتكاثرة.
ثم بعد وقوفي عليه، أضفت ما فيه إليه.
ولم أدع حديثا من أحاديثه إلا ذكرته، وبقولي عند ذكره أورده في الأزهار من حديث فلان ميزته.
ثم أذكر ما عده فيه من الصحابة أو التابعين: مسقطا لما ذكره من المخرجين، فإن تيسرت زيادة نبهت عليها، وبلفظة قلت بعد كلامه أشرت إليها.
وما لم يذكره أتيت فيه بما يسره الله على من غير تعرض إليه، فيعلم من ذلك اني لم أجد ذلك الحديث لديه.
صفحة ٧
وقد قال السخاوي في مبحث المتواتر من شرح الألفية ما نصه وقد أفرد ما وصف بذلك، يعني بالتواتر في تأليف أما للزركشي أو غيره اه (قلت) أفراده بالتأليف بعد السخاوي جماعة منهم الشيخ الإمام الحافظ جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة وسماه الفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة رتبه على الأبواب وجمع فيه ما رواه من الصحابة عشرة فصاعدا مستوعبا فيه كل حديث بأسانيده وطرقه وألفاظه فجاء كتابا حافلا لم يسبق كما قال إلى مثله.
ثم جرد مقاصده في جزء لطيف سماه الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة اقتصر فيه على ذكر الحديث وعدة من رواه من الصحابة مقرونا بالعزو إلى من خرجه من الأئمة المشهورين، وعدة أحاديثه فيه ما ذكره هو في آخره مائة.
لكني عددتها فوجدتها تزيد على ذلك باثني عشر وإلى الله تعالى حقيقة الخبر.
ومنهم الشيخ الإمام الحافظ خاتمة المسندين ذو التصانيف العديدة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي بن طولون الحنفي الدمشقي الصالحي المتوفى سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة.
وسماه اللئالئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة.
ومنهم الشيخ أبو الفيض محمد مرتضى الحسيني الزبيدي المصري المتوفى عام خمسة ومائتين وألف.
وسماه لقط اللئالئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة ومنه أخذ السيد النواب صديق بن حسن بن علي القنوجي البخاري الحسيني الأربعين التي جمعها مما بلغ حد التواتر وسماها بالحرز المكنون من لفظ المعصوم المأمون.
وقد قال في شرح النخبة للعلامة أبي الحسن محمد صادق السندي المدني ما نصه: وقد تساهل السيوطي في الحكم بالتواتر فحكم على عدة من الأحاديث بذلك وأوردها في كتاب سماه الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة اه "
صفحة ٨
وهو كذلك فإنه ذكر عدة أحاديث ربما يقطع الحديثي بعدم تواترها.
ويظهر أيضا من كلامه أنه قصد جمع المتواتر اللفظي ثم إنه كثيرا ما يورد أحاديث صرح هو أو غيره في بعض الكتب بأن تواترها معنوي.
وهذا قبل الشروع في المقصود بيانا وإيضاحا، أتى بمقدمة في بيان معنى التواتر لغة واصطلاحا، فأقول:
* 1 * (مقدمة [عن الحديث المتواتر]) التواتر بمثناتين وهو في اللغة قال في المحصول مجئ الواحد أثر الواحد بفترة بينهما ومثله للقرافي في التنقيح ومنه قوله تعالى * (ثم أرسلنا رسلنا تترا) * أي متتابعين رسولا بعد رسول بينهما فترة.
وحكى عن ابن بري أنه مجئ الشئ بعد الشئ بعضه في أثر بعض وترا وترا أو فردا فردا يعني من غير فترة بينهما.
وحكى القولين في القاموس فقال والتواتر التتابع أو مع فترات ا ه.
واقتصر في الصحاح على الثاني في كلامه فقال والمتواترة المتابعة ولا تكون المواترة بين الأشياء إلا إذا وقعت بينهما فترة وإلا فهي مداركة ومواصلة اه.
وفي شرح القاموس نقلا عن الحياني قال المتواتر الشئ يكون هنيهة ثم يجئ الآخر فإذا تتابعت فليست متواترة إنما هي متداركة ومتتابعة.
قال وقال ابن الأعرابي ترى يترا إذا تراخى في العمل فعمل شيئا بعد شئ وقال الأصمعي واترت الخبر اتبعت وبين الخبرين هنيهة اه.
فعلم أن الأول في كلامنا وهو الثاني في كلام المجد أرجح والله أعلم.
وفي الاصطلاح قال ابن الصلاح في مقدمة علوم الحديث له: عبارة عن الخبر الذي ينقله من يحصل العلم بصدقه ضرورة.
قال ولابد في إسناده من استمرار هذا الشرط في رواته من أوله إلى منتهاه
صفحة ٩
ومن سئل عن إبراز مثال لذلك فيما يروي من الحديث أعياه تطلبه اه.
وقال النووي في التقريب هو ما نقله من يحصل العلم بصدقهم ضرورة عن مثلهم من أول الإسناد إلى آخره.
قال وهو قليل لا يكاد يوجد في روايتهم اه.
وقال الجرجاني في مختصره والخبر المتواتر ما بلغت رواته في الكثرة مبلغا أحالت العادة تواطئهم على الكذب ويدوم هذا فيكون أوله كآخره ووسطه كطرفيه كالقرآن والصلوات الخمس اه.
وعبارة التاج في جمع الجوامع هو خبر جمع يمتنع.
زاد شارحه المحلي وغيره عادة تواطئهم على الكذب عن محسوس فقوله خبر الخبر ما قابل الانشاء وهو ما يحتمل الصدق الذي هو المطابقة للواقع والكذب الذي هو عدم المطابقة بالنظر لذاته والإنشاء ما لا يحتملهما وقوله جمع خرج به خبر الواحد والاثنين فإنه لا يكون متواترا ولا يسمى بذلك وقوله يمتنع خرج به خبر الجماعة الذين لا يمتنع عليهم التواطؤ أو التوافق كقوم فساق أو كفار أمكن بحسب العادة تواطؤهم أو اتفاقهم على خبر فلا يسمى متواترا فإن لم يمكن تواطؤهم على الكذب وهم فساق أو كفار سمي متواترا وهذا بالنظر إلى اصطلاح الأصوليين لأن كلامهم في الخبر المتواتر من الناس.
وأما المحدثون فالظاهر أنه لابد عندهم من الاسلام في رواته لأن كلامهم في التواتر من الحديث على أنه لم يوجد حديث نبوي تواتر بكفار فقط أو فساق حتى يكون للمحدثين نظر إليه كذا قال بعضهم ويخدش فيه أن المحدثين صرحوا أيضا بعدم اشتراط الاسلام والعدالة في رواته كما صرح بذلك الأصوليون فليراجع كلامهم
صفحة ١٠
وقولهم لا يقبل ويحتج به من الحديث إلا ما رواه العدل الضابط بأن يكون مسلما بالغا إلى آخره ما قالوا في خبر الآحاد لا في المتواتر والله أعلم.
وقوله عادة خرج به التجويز العقلي دون نظر إلى العادة أي مجردا عنها فإنه لا يمتنع ولا يرتفع ولو بلغ الجمع ما عسى أن يبلغ وقوله تواطئهم على الكذب أي لا عمدا ولا غلطا ولا نسيانا وقوله عن محسوس أي أمر يدرك بالحس أي بإحدى الحواس الخمس الظاهرة كسمع أو بصر وخرج به ما كان عن أمر معقول أي يدرك بالعقل فإنه يجوز الغلط فيه بل قد يتيقن الغلط كخبر الفلاسفة بقدم العالم أو بانتفاء الحشر للأجساد فلا يسمى متواترا ولو بلغوا في الكثرة ما عسى أن يبلغوا بل لا يسمى بذلك ولو تيقن صوابه كإخبار أهل مصر من الأمصار بحدوث العالم أو بوجود الصانع وقد استفيد من هذا أنه لا بد من إفادته للعلم والمتبادر من كلامهم وصرح به غير واحد اشتراط إفادته له بنفسه أو بقرائن لازمة له إما من أحواله المتعلقة به كان يكون لفظا واحدا وتركيبا واحدا أو المتعلقة بالخبر عنه كأن يكون موسوما بالصدق أو بالمخبر به كان يكون من عادته أن يقع أي أمرا مستقرب الوقوع احترازا عما إذا أفاده بقرائن منفصلة عنه زائدة على ما لا ينفك الخبر عنه كالتفجع وشق الجيب في الخبر بموت الولد أو الوالد مثلا فلا يسمى متواترا وبه يعلم أن ما يأتي عن ابن الصلاح وغيره من أن ما اتفق عليه الشيخان أو أخرجه أحدهما بالإسناد المتصل كالمتواتر معنا كهو في إفادة العلم لا في التسمية فإنه لا يسمى متواترا اصطلاحا لأن إفادته للعلم ليست بنفسه بل بقرائن خارجية كتلقي الأمة لكتابيهما بالقبول وما أشبه ذلك.
وعلى هذا فقول التاج عقب التعريف السابق وحصول العلم آية اجتماع شرائطه
صفحة ١١
معناه حصول العلم منه بنفسه أو بقرائن لازمة فقط أو مع القرائن المنفصلة وأما منها وحدها فلا يكفي لأن خبر الآحاد قد يفيد العلم بواسطة ما ينضم إليه من القرائن كما يأتي ثم في عبارته على ما قيل قلب والأصل واجتماع شرائطه أي الأمور المحققة له وهي أجزاء ماهيته من كونه جمع الخ آية علامة حصول العلم منه والظاهر هذا إنما يتمشى على القول بأن العلم الحاصل منه نظري لأنه يشترط ح في حصول العلم منه تقدم العلم بالشرائط أي ملاحظتها والالتفات إليها قبل ولا يتمشى على مقابله الراجح من أنه ضروري لأن ذلك لا يشترط بل الشرط عليه وجود الشرائط في نفس الأمر كانت ملحوظة للسامع ملتفتا إليها أو غير ملحوظة ولا ملتفت إليها وحصول العلم آية اجتماعها والتاج ذهب على هذا الثاني فلا قلب في عبارته والنصوص الموافقة له كثيرة.
قال ابن أمير الحاج في شرح التحرير ما نصه الضابط للخبر المتواتر حصول العلم فمتى أفاد الخبر بمجرده العلم تحققنا أنه متواتر وأن جميع شرائطه موجودة وإن لم يفده ظهر عدم تواتره بفقد شرط من شروطه اه وانظر حاشية ابن القاسم العبادي على المحلى ولا بد.
ثم إن كانوا طبقة واحدة فواضح أنه يحصل التواتر بخبرهم لوجود قيوده المذكورة وإلا بأن كانوا طبقات ولم يخبر عن محسوس إلا الطبقة الأولى اشترط كونهم جميعا يمتنع تواطؤهم على الكذب في جميع الطبقات من أول السند إلى انتهائه كما أشار إليه السبكي بعد وكما تقدم عن ابن الصلاح والنووي وخرج به ما إذا لم يوجد الجمع في جميعا ووجد في
صفحة ١٢
بعضها فقط فإنه لا يسمى متواترا لأن الحكم في مثله للأقل غريبا أو عزيزا حتى يوجد الجمع في كل طبقة ابتداء ووسطا وانتهاء وخرج أيضا ما إذا وجد الجمع ولم يوجد العلم في جميع الطبقات أو في بعضها ولو في واحدة منها فإنه لا يسمى متواترا بل مشهورا أو مستفيضا.
قال الشهاب ابن حجر المكي في فتاويه ولا يكفي احتمال التواتر ولا ظنه كما هو معلوم لأن المشكوك والمظنون لا ينتج القطع اه ثم هذا الذي ذكروه من إفادته للعلم هو الحق ومذهب الجمهور معناه في الماضيات والحاضرات وأنكره جماعة من العقلاء كالسمانية والبراهمة وقالوا إنه لا يفيد إلا الظن فيهما معا ومنهم من أنكره في الماضيات واعترف به في الحاضرات وإنكارهم المذكور مكابرة فإنا نجد من أنفسنا العلم بالبلاد النائية كمكة والمدينة وبغداد وبالأمم الخالية كقوم موسى وعيسى وليس هو إلا بالإخبار.
قال السعد في شرح النسفية فإن قيل خبر كل واحد لا يفيد إلا الظن وضم الظن إلى الظن لا يوجب اليقين وأيضا جواز كذب كل واحد يوجب كذب المجموع لأنه نفس الآحاد قلنا ربما يكون مع الاجتماع ما لا يكون مع الانفراد كقوة الحبل المؤلف من الشعرات اه والعلم الحاصل به ضروري على الأصح وهو مذهب الجمهور من المحدثين والأصوليين لحصوله لمن لا يتأتى منه النظر كالبله والصبيان ومعنى كونه ضروريا أنه يضطر الانسان إليه عند اجتماع الشرائط بحيث لا يمكنه دفعه لا نظري خلافا للكعبي وأبي الحسن البصري من المعتزلة وإمام الحرمين والغزالي من أهل السنة.
(فإن قيل) الضروريات لا يقع فيها التفاوت ولا الاختلاف ونحن نجد العلم بكون الواحد نصف الاثنين أقوى من العلم بوجود إسكندر مثلا والمتواتر قد أنكر إفادة العلم به طوائف كما تقدم
صفحة ١٣
(قلنا) هذا ممنوع بل قد تتفاوت أنواع الضروري بواسطة التفاوت في الألف والممارسة والإخطار بالبال وتصورات أطراف الأحكام وقد يختلف فيه مكابرة وعنادا كالسوفسطائية في جميع الضروريات والخلاف فيما قالوه لفظي لا حقيقي لأن إمام الحرمين كما أفصح به الغزالي التابع له فسر كون العلم الحاصل به نظريا أخذا من كلام الكعبي بتوقفه على مقدمات حاصلة عند السامع أي على التفات نفسه إليها وملاحظته لها وتقدم علمه بها وهي كونه خبر جمع وكونهم بحيث يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب وكونهم أخبروا عن شئ محسوس لا يشتبه وهذا لا ينافي كونه ضروريا والمنافي لذلك تفسيره بالاحتياج إلى النظر عقبه هكذا قالوا وفيه نظر والحق أنه حقيقي لأن القائل بأنه نظري يشترط في حصوله تقدم العلم بالمقدمات والقائل بأنه ضروري لا يشترط ذلك بل الشرط عنده وجودها في نفس الأمر أعم من أن تكون حاصلة في النفس أو مغفولا عنها ولذا يستدلون بحصول العلم على حصولها وتوقف إلا مدى من الشافعية والمرتضي الرافضي عن القول بواحد من الضروري والنظري لتعارض دليلهما عندهما من حصوله لمن لا يتأتى منه النظر وتوقفه على تلك المقدمات المحققة له وتوقفهما يدل على أنهما فهما أن الخلاف حقيقي كما ذكرنا والتوقف هو الذي صححه صاحب المصادر أيضا والله أعلم ثم التواطؤ المذكور إن وقع بين ذلك الجمع في اللفظ والمعنى زاد بعضهم تبعا لاستظهار ابن قاسم العبادي أو في المعنى فقط مع اختلاف اللفظ لأنه وإن اختلف في حكم المتحد لاتحاد معنى سمى التواتر اللفظي وإن اختلفوا فيهما أعني في اللفظ والمعنى معا مع الاتفاق على معنى كلي ولو تضمينا أو التزاميا سمى التواتر المعنوي كوقائع حاتم في عطاياه وعلي في حروبه وعمر في عدله وجلادته وأبي ذر في زهده وكوقائع الشيخ عبد القادر الجيلاني في كراماته فإنها اتفقت على معنى كلي وهو القدر المشترك بين آحاد تلك الوقائع وهو جود هذا وشجاعة هذا وعدل هذا وزهد هذا وكرامات هذا فيكون ذلك القدر المشترك بينهما بقطع النظر عن متعلقه متواترا تواترا معنويا وإن كانت كل واقعة بانفرادها غير متواترة إلا شيئا قليلا من بعض تلك
صفحة ١٤
الوقائع فإنه وجد متواتر اللفظ أيضا وتردد بعض المتأخرين في الاختلاف في الألفاظ أو بعضها مع تقارب المعنى كحديث حنين الجذع فإنه روى فيه صاح وخار وجعل يئن وحن وبكى. هل يضر فيكون التواتر معنويا أو لا يضر فيكون لفظيا والظاهر أنه لا يضر أيضا وإلا لما صح عد كثير من الأحاديث التي هذا سبيلها من المتواتر اللفظي وقد عدها منه جماعة من الأئمة وقول التاج السابق خبر جمع الخ شامل لقسمي اللفظي والمعنوي وفاقا للمحلي والشيخ حلولوا وخلافا للعراقي لأن حمله عليها أكثر فائدة والأصح أنه لا يشترط في رواته إسلام ولا عدالة ولا بلوغ ولا عدم احتواء بلدة واحدة عليهم فيجوز أن يكونوا كفارا أو فساقا أو صبيانا وأن تحويهم بلدة واحدة وكذا لا يشترط فيهم عدد محصور ولا صفة معينة بل البلوغ إلى حد وحالة تحيل العادة معهما تواطئهم على الكذب في جميع الطبقات ولو كان العدد في بعضها قليلا وفي بعضها كثيرا والصفات العلية في الرواة تقوم مقام العدد أو تزيد عليه كما قرره ابن حجر في نكت علوم الحديث وشرح النخبة وعلى اشتراط العدد اختلف في أقل العدد المشروط بعد اتفاقهم على عدم الاكتفاء بالواحد والاثنين فقيل أربعة قياسا على شهود الزنى وقال القاضي أبو بكر الباقلاني أقطع بأن أقول الأربعة لا يفيدون وأتوقف في الخمسة وجرى عليه في جمع الجوامع فقال ولا تكفي الأربعة وفاقا للقاضي والشافعية وما زاد عليها صالح من غير ضبط يعني بعدد معين وتوقف القاضي في الخمسة اه.
وهو يفيد أنه لو اتفق الأئمة الأربعة بل الخلفاء الأربعة على رواية حديث لا يفيد خبرهم العلم وليس كذلك فالصواب ح القول بأنها قد تكفي وقيل خمسة قياسا على اللعان وقيل سبعة لاشتمالها على أنصباء الشهادة الثلاثة وهي الأربعة والاثنان والواحد وقيل عشرة لقوله تعالى * (تلك عشرة كاملة) * لأنها الأول جموع الكثرة وهذا قاله الأصطخري قال السيوطي في شرح التقريب وهو المختار وكتابه في المتواترات مبني عليه لأنه جمع فيه ما رواه عشرة من الصحابة فصاعدا كما تقدم التنبيه عليه وفي الإغارة المصبحة على مانع الإشارة بالمسبحة للعلامة السيد محمد رسول البرزنجي الحسيني أثناء كلام
صفحة ١٥
له ما نصه وقد قال الحافظ السيوطي في الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة أن كل حديث رواه عشرة من الصحابة هو متواتر عندنا معشر أهل الحديث اه.
وقيل اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل وقيل عشرون لقوله * (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) * وقيل أربعون لقوله عليه السلام خير السرايا أربعون وقيل خمسون قياسا على القسامة وقيل سبعون لاختيار موسى سبعين رجلا لميقاته حتى يسمعوا كلام الله ويخبروا من وراءهم وقيل ثلاثمائة وبضعة عشر عدة أصحاب طالوت وأهل بدر وقيل ألف وأربعمائة أو خمسمائة عدة أهل بيعة الرضوان قال بعضهم وهذه المذاهب كلها باطلة لا تستحق أن يلتفت إليها وشبهاتهم واهية لا حاجة إلى التصريح بدفعها اه.
وقال في ظفر الأماني في شرح مختصر الجرجاني وهذه كلها وأمثالها أقوال فاسدة والتحقيق الذي ذهب إليه جمع من المحدثين هو أنه لا يشترط للتواتر عدد إنما العبرة بحصول العلم القطعي فإن رواه جمع غفير ولم يحصل العلم به لا يكون متواترا وإن رواه جمع قليل وحصل العلم الضروري يكون متواترا البتة اه.
(يتبع...) (تابع... 1): وهو في اللغة قال في المحصول مجئ الواحد أثر الواحد بفترة بينهما..... والصحيح أن العلم الحاصل منه إن كان عن كثرة العدد وجب حصوله لجميع السامعين وإن كان عن القرائن اللازمة له لم يجب ذلك بل قد يحصل لزيد دون عمرو ولقوم دون آخرين لأن القرائن قد تقوم عند البعض دون البعض.
وقيل يجب حصوله للكل مطلقا وقيل لا يجب مطلقا وفيهما نظر وقد يحصل التواتر عند قوم ولا يحصل عند آخرين لبلوغ طرقه المفيدة له إلى من حصل عنده دون الآخرين كما أنه قد يصح الخبر عند قوم ولا يصح عند آخرين لوصوله إلى الأولين من طريق صحيحة أو طرق أو عدم وصوله إلى الآخرين منها بل من طريق أخرى فيها ضعيف أو كذاب هذا وذكر ابن الصلاح والنووي ومن تبعهما أن مثال المتواتر على
صفحة ١٦
التفسير السابق يعز وجوده وزعم ابن حبان والحازمي أنه معدوم بالكلية لا يوجد له مثال قال ابن الصلاح إلا أن يدعي ذلك في حديث من كذب علي الخ فإنه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ستين نفسا من الصحابة منهم العشرة وليس في الدنيا أجمع على روايته العشرة غيره وتعقب عليه الحافظ أبو الفضل العراقي بحديث مسح الخف فقد رواه أكثر من ستين صحابيا ومنهم العشرة وحديث رفع اليدين في الصلاة فقد رواه نحو خمسين منهم ومنهم العشرة أيضا قال السخاوي في فتح المغيث وكذا الوضوء من مس الذكر قيل إن رواته زادت على ستين وكذا الوضوء مما مست النار وعدمه اه.
ويأتي في الكلام على هذا الحديث أعني حديث من كذب علي الجواب عن هذا التعقب وقال الحافظ ابن حجر في توضيح النخبة ما ادعاه ابن الصلاح من العزة ممنوع وكذا ما ادعاه غيره من العدم لأن ذلك نشأ عن قلة الاطلاع على كثرة الطرق وأحوال الرجال وصفاتهم المقتضية لإبعاد العادة أن يتواطئوا على الكذب أو يحصل منهم اتفاقا قال ومن أحسن ما يقرر به كون المتواتر موجودا وجود كثرة في الأحاديث أن الكتب المشهورة المتداولة بأيدي أهل العلم شرقا وغربا المقطوع عندهم بصحة نسبتها إلى مصنفيها إذا اجتمعت على اخراج حديث وتعددت طرقه تعددا تحيل العادة تواطئهم على الكذب إلى آخر الشروط أفاد العلم اليقيني بصحة نسبته إلى قائله ومثل ذلك في الكتب المشهورة كثير اه.
وقد نقله جماعة منهم السيوطي في إتمام الدراية بشرح النقاية وقال عقبه قلت صدق شيخ الاسلام وبر وما قاله هو الصواب الذي لا يمتري فيه من له ممارسة بالحديث وإطلاع على طرقه فقد وصف جماعة من المتقدمين والمتأخرين أحاديث كثيرة بالتواتر منها حديث أنزل هذا القرآن على سبعة أحرف وحديث الحوض وانشقاق القمر وأحاديث الهرج والفتن في آخر الزمان.
وقد جمعت جزءا في حديث رفع اليدين في الدعاء فوقع لي من طرق
صفحة ١٧
تبلغ المائة وعزمت على جمع كتاب في الأحاديث المتواترة يسر الله ذلك بمنه آمين اه.
وقال في شرح التقريب عقب نقل كلام ابن حجر أيضا ما نصه قلت قد ألفت في هذا النوع كتابا لم أسبق إلى مثله سميته الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة مرتبا على الأبواب أوردت فيه كل حديث بأسانيد من خرجه وطرقه ثم لخصته في جزء لطيف سميته قطف الأزهار اقتصرت فيه على عزو كل طريق لمن أخرجها من الأئمة وأوردت فيه أحاديث كثيرة منها حديث الحوض من رواية نيف وخمسين صحابيا وحديث المسح على الخفين من رواية سبعين صحابيا وحديث رفع اليدين في الصلاة من رواية خمسين وحديث نضر الله أمراء سمع مقالتي من رواية نحو ثلاثين وحديث نزل القرآن على سبعة أحرف من رواية سبع وعشرين، وحديث من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة من رواية عشرين، وكذا حديث كل مسكر حرام، وحديث بدا الاسلام غريبا، وحديث سؤال منكر ونكير، وحديث كل ميسر لما خلق له، وحديث المرء مع من أحب، وحديث أن أحدكم ليعمل أهل الجنة، وحديث بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة، كلها متواترة في أحاديث جمة أودعناها كتابنا المذكور ولله الحمد ثم ذكر أن أهل الأصول قسموا المتواتر إلى لفظي ومعنوي ثم قال: قلت وذلك أيضا يتأتى في الحديث فمنه ما تواتر لفظه كالأمثلة السابقة ومنه ما تواتر معناه كأحاديث رفع اليدين في الدعاء فقد روى عنه صلى الله عليه وسلم نحو مائة حديث فيها رفع اليدين في الدعاء وقد جمعتها في جزء لكنها في قضايا مختلفة فكل قضية منها لم تتواتر والقدر المشترك فيها وهو الرفع عند الدعاء تواتر باعتبار المجموع اه.
وفي الفتح الباري أمثلته يعني المتواتر كثيرة منها حديث من بنى لله مسجدا والمسح على الخفين ورفع اليدين والشفاعة والحوض ورؤية الله في الآخرة، والأئمة من قريش وغير ذلك اه.
قال الشيخ التاودي في حواشيه على الصحيح وقد نظمت ذلك فقلت:
مما تواتر حديث من كذب * ومن بنى الله بيتا واحتسب
صفحة ١٨
ورؤية شفاعة والحوض * ومسح خفين وهاذي بعض وقال السخاوي في فتح المغيث ما نصه وذكر شيخنا يعني ابن حجر من الأحاديث التي وصفت بالتواتر حديث الشفاعة والحوض فإن عدد رواتهما من الصحابة زاد على أربعين وممن وصفهما بذلك عياض في الشفاء وحديث من بني لله مسجدا ورؤية الله في الآخرة والأئمة من قريش وكذا ذكر عياض في الشفا حديث حنين الجذع وابن حزم حديث النهي عن الصلاة في معاطن الإبل وعن اتخاذ القبور مساجد والقول عند الرفع من الركوع والابري في مناقب الشافعي حديث المهدي وابن عبد البر حديث اهتزاز العرش لموت سعد والحاكم حديث خطبة عمر بالجابية والإسراء وأن إدريس في الرابعة وغيره حديث انشقاق القمر والنزول وابن بطال حديث النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر والشيخ أبو إسحاق الشيرازي قال بعد ذكر الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في غسل الرجلين لا يقال أنها أخبار آحاد لأن مجموعها تواتر معناه وكذا ذكره غيره في التواتر المعنوي كشجاعة على وجود حاتم وإخبار الدجال وشيخنا حديث خير الناس قرني وقد أفرد ما وصف بذلك في تأليف أم للزركشي أو غيره اه.
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية في رسالة الفرقان بين الحق والباطل لما تكلم على الخوارج ما نصه فلهذا جاءت الأحاديث الصحيحة بقتالهم والأحاديث في ذمهم والأمر بقتالهم كثيرة جدا وهي متواترة عند أهل الحديث مثل أحاديث الرؤية وعذاب القبر وفتنته وأحاديث الشفاعة والحوض اه.
وفي كتاب مسلم الثبوت في أصول الفقه للشيخ محب الله بن عبد الشكور في الكلام على المتواتر ما نصه المتواتر من الحديث قيل لا يوجد وقال ابن الصلاح إلا أن يدعي في حديث من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار فإن رواته أزيد من مائة صحابي وفيهم العشرة المبشرة وقد يقال مراده التواتر لفظا وإلا فحديث المسح على الخفين متواتر رواه سبعون صحابيا وقيل حديث أنزل القرآن على سبعة أحرف متواتر رواه عشرون من الأصحاب
صفحة ١٩
وقال ابن الجوزي تتبعت الأحاديث المتواترة فبلغت جملة منها: حديث الشفاعة وحديث الحساب وحديث النظر إلى الله تعالى في الآخرة وحديث غسل الرجلين في الوضوء وحديث عذ أب القبر وحديث المسح على الخفين اه.
وفي تأويله لكلام ابن الصلاح شئ مع ما تقدم عن السيوطي من الأمثلة الكثيرة لما تواتر لفظا.
بل الظاهر أنه ما قصد في كتابه في المتواترات إلا جمع المتواتر اللفظي وإن كان لا يسلم له في كثير من أحاديثه وقد اعترض شارح مسلم الثبوت الشيخ عبد العلي محمد بن نظام الدين الأنصاري تأويله المذكور قائلا ما نصه ثم في هذا التأويل أيضا شئ فإنه قد تواتر قوله صلى الله عليه وسلم ويل للأعقاب من النار رواه اثنا عشر صحابيا مقطوع بعدالتهم أكثرهم من أصحاب بيعة الرضوان.
وقد تقدم تواتر: لا نورث ما تركناه صدقة ولعل تأويل قوله أنه مبالغة في القلة اه.
وفيه أيضا نظر على ما تقدم عن الحافظ وغيره من كثرة أمثلته إلا أنه اعترض ذلك بعضهم بأن الذي له أمثلة كثيرة هو المتواتر تواترا معنويا.
وأما المتواتر اللفظي فلا.
وكثير مما قيل فيه أنه لفظي يظهر عند النظر فيه أنه معنوي.
وفي ظفر الأماني ما نصه ما ذكره في شرح النخبة من الاستدلال على وجود المتواتر ووجود كثرة ضعيف جدا تعقبه من تكلم عليه اه.
ثم قال شارح مسلم الثبوت عقب ما نقلناه عن أصله في مثال المتواتر ولم يرد يعني مؤلفه الحصر فيه أي فيما ذكر في كلامه فإن أعداد الركعات وذهاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر واحد وسائر الغزوات والأذان والإقامة والجماعة وفضائل الخلفاء الراشدين وفضل أصحاب بدر بعمومها متواترة من غير ريبة وسيجئ إن شاء الله تعالى حديث لن تجتمع أمتي على ضلالة بمعناه متواتر.
صفحة ٢٠