[مقدمة]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وصفوة المرسلين عبد الله ورسوله محمد وعلى آله أجمعين.
أما بعد فهذا كتاب «العقود» لشيخ الإسلام علم الأعلام المجتهد المطلق والإمام الفقيه المحقق أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية المولود بحران 661 والمتوفي سنة 728 حبيس الظلم والجهل والتقليد الأعمى بقلعة دمشق رحمه الله ورضي عنه وحشرنا وإياه مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
أقدمه في هذا الثوب القشيب والطبع الجميل لإخواني السلفيين المقدرين لعلم ابن تيمية وفضله والحريصين على آثاره والعارفين بفقهه وتحقيقه وما تفضل الله عليه به من القدرة النادرة على استخراج الدرر النفيسة من أعماق بحور كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقدمه كذلك لرجال القانون العصريين الذين أتاحت لهم دراستهم أن يولوا وجوههم شطر الفرنجة زاعمين أن فهومهم أوسع من فهوم علماء المسلمين وأن بحوثهم أدق من بحوث علماء المسلمين وأن موارد قوانينهم ونظمهم ونظرياتهم التي زعموها لإصلاح المجتمع أرحب صدرا وأغزر مادة من موارد الشريعة الإسلامية السمحة.
صفحة ١
ولعلهم يلتمسون لأنفسهم المعاذير بما أصاب المجتمع الإسلامي في كل نواحيه من غزو الفرنجة الأعجميين غزوا استولوا به أو كادوا على كل شئون المجتمع الإسلامي إلا من رحم ربك فأصبح سلطانهم نافذا في المدرسة والمحكمة والبيت والإدارة والشارع وأصبح المجتمع الإسلامي في غمرة أفرنجية غشت البصائر وملكت العقول وقيدت النفوس بأغلال ثقيلة قد ظن معها المفتونون بها أن لا خلاص لهم منها إلا إلى التأخر والهمجية وهم جد واهمون فيما ينتحلون لأنفسهم من تلك المعاذير ما دام فينا كتاب الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وما دامت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزال بحمد الله مصونة في سجلاتها المحفوظة تؤدي لنا صورة صادقة كل الصدق لحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهداه ونصحه للأمة ورسالته إلى الناس كافة وما دام فينا كذلك من تراث أئمتنا المهتدين من أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهم الله وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ما يضيء لنا السبيل ويهدينا الطريق.
وإني لعلى يقين من أن العصريين سيجدون في كتاب «العقود» ما يقنعهم بأن علماء الإسلام يفهمون «نظرية العقد» خيرا ألف مرة مما يفهمها أعاجم الفرنجة لأن علماءنا يستمدون فهمهم من معين كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعاجم الفرنجة يستمدون فهمهم من أفكارهم وأهوائهم وبيئاتهم التي غلب عليها الشهوات والشبهات وعبادة المادة التي أماتت القلوب وتركتها كالحجارة أو أشد قسوة وهم لذلك لا يزالون مضطربين في حيرة إرضاء نزغات الأهواء وجامحات المطالب ينقضون اليوم ما أبرموه أمس فأما علماؤنا الصادقون الناصحون أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية فهم على نهج واحد راشد حكيم لأنهم على صراط الله المستقيم.
صفحة ٢
هذا ولقد جاءتني نسخة كتاب «العقود» على يد الأخ الصالح محمد حسين جاسر وجدها في بلدته أبي سنبل من بلاد النوبة عند رجل لا يدري ما هي فلما رأيتها طربت لها أشد الطرب على ما بها من تآكل ذهب ببعض كلمات مما عدت عليها يد الإهمال فمكنت للعث والرطوبة أن تأكل تكل الأجزاء من بعض الصفحات ثم ذهبت أزف البشرى بها إلى علامة الوقت وبحاثة العصر الشيخ عبد المجيد سليم مفتي الديار المصرية سابقا لما أعرف فيه من صادق الحب لشيخ الإسلام ابن تيمية واتباعه له وعظيم حرصه على مؤلفاته وقوة امتزاجه بعلم شيخ الإسلام وفقهه لطول مدارسته لكتبه وشدة عكوفه عليها فما كاد يراها حتى طرب لها كذلك أشد الطرب به ولكنه عاد حزينا على ما فيها من تلك المواضع الضائعة ثم استبقاه عنده فقرأه وأعجب به أشد الإعجاب وقال «هذا خير ما ألف في العقود وينبغي البحث عن نسخة أخرى لتكملة نقصه وتصحيح أغلاطه والمبادرة بطبعه لشدة حاجة الدارسين اليوم إليه» ثم أعطاه للأستاذ الشيخ علي الخفيف أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول فقرأه هو كذلك معجبا به وقال «إن هذا الكتاب يحقق نظرية العقد على أحدث الدراسات وإن من الواجب المبادرة بطبعه لحاجة الطلاب والأساتذة والقضاة والمحامين إليه».
صفحة ٣
ثم تشرفت في حج عام سنة 1367 بدعوة للعشاء على مائدة حضرة صاحب السمو الملكي الأمير منصور المعظم حفظه الله وزير الدفاع في المملكة العربية السعودية وكانت الدعوة خاصة بعلماء نجد على عادة سمو الأمير المعظم كل عام وبعد أن فرغنا من تناول العشاء الفاخر جلسنا لشرب القهوة العربية الفاخرة وأخذ الحديث مع سمو الأمير المعظم مجراه العلمي حين افتتحه هو أطال الله عمره بلباقة وكياسة فانتهزت الفرصة وذكرت شيخ الإسلام ابن تيمية وآثاره القيمة في إيقاظ العقول من رقدتها وجهاده في إنقاذ الناس من غفلة التقاليد الجاهلية التي أوقعتهم في حمأة الوثنية والخرافات وما لقي رحمه الله من عسف الحكام وجهل المتعالمين في زمنه ولو أنه رحمه الله كان قد وجد ما وجد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من نصرة آل سعود واضطلاعهم بدعوة التوحيد ووضعهم أنفسهم وأموالهم وكل جهودهم لنصرة دعوة التوحيد لكان شأن المسلمين اليوم غير شأنهم ولكانت مكانتهم من الحياة أعز كثيرا جدا مما هم عليه اليوم على أنا نرجو مخلصين أن تكون هذه اليقظة الحديثة يقظة دائمة مستمرة يرجع المسلمون بها إلى المحجة البيضاء التي تركهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام لهم أعلامها من كتاب الله وسنة رسوله الناصح الأمين والله المسئول أن يوفق القادة منهم إلى السداد والرشاد والعمل الدائب على إحياء آثار السلف الصالح وتجويد عرضها للناس في الثوب الجميل الذي يجذبهم إلى الانتفاع بها كما يفعل ذلك صادقا مخلصا جلالة الملك عبد العزيز أدام الله توفيقه وأمده بروح منه ففيها الخير والهدى لهم في هذه الحياة العصرية المضطربة بأمواج الفتن والأهواء المضلة وفيها الغناء كل الغناء عما غزا المجتمع الإسلامي من نتاج الفرنجة في السياسة والاقتصاد والآداب والأخلاق والاجتماع والقانون.
صفحة ٤
فانتهز الأخ المفضال والصديق الوفي الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ بارك الله فيه الفرصة ونوه بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأثرها في الإصلاح وشدة الحاجة إلى نشرها وتيسير الانتفاع بها وبالأخص كتاب العقود الذي لم يطبع من قبل ذلك والذي حصلت نسخته النادرة السالفة الذكرى لي فبادر سمو الأمير المبجل منصور أدام الله توفيقه وأطال في حياته في خير العمل ووجه القول إلي إني مستعد أن أنفق على طبع كتاب العقود فإذا وصلت مصر بسلامة الله تعالى فاشرع في طبعه إن شاء الله فهتف الشيوخ بلسان واحد بالثناء على سمو الأمير المعظم والدعاء له بطول العمر ودوام التوفيق وإن هذه المسارعة من سمو الأمير منصور حفظه الله إلى نشر كتاب العقود ليس بالأمر الغريب فإنه ورث ذلك الحب للعلم وأهله والحرص على نشره من جلالة والده الملك عبد العزيز المعظم أطال الله حياته المباركة النافعة فإن جلالته قد سبق في هذه الغاية كل سابق وجلى فيها على كل مبرز بل إنه أمد الله في حياته لخير الإسلام والمسلمين قام في نشر علم السلف بما لم يقم به أحد من الملوك فجزاه الله عن ذلك أحسن الجزاء وأثابه أفضل المثوبة وجعل من أنجاله أصحاب السمو الأمراء قرة عين لجلالته ولكل العرب والمسلمين وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي ولي العهد المعظم الأمير سعود فإنه بحق أمير العلماء وعالم الأمراء أدام الله على الجزيرة العربية ظل آل سعود الوارف وأيدهم بروح من عنده وسددهم في سبيل الإصلاح وهدانا وإياهم صراطه المستقيم.
فلما عدت إلى مصر من الأراضي المقدسة بدأت في إعداد النسخة للطبع فكلفت الأخوين سليمان رشاد محمد مراقب جماعة أنصار السنة ومحمد رشدي خليل أمين صندوقها بنسخها ثم أخذت أبحث عن نسخة أخرى حتى تخرج النسخة أدق وأصوب ولتتميم النقص الذي أكلته الرطوبة والعث من نسختنا فكتبت إلى الأخ السلفي البحاثة الشيخ ناصر الدين الأرناؤطي بدمشق أطلب إليه معاونتي في العثور على نسخة أخرى فكتب إلي أن عند آل الشطي الأمجاد نسخة جيدة سليمة فأرسلت إليه النسخة بالطائرة فراجعها مراجعة دقيقة وكمل مواضع النقص فيها وعندئذ اطمأننت إلى أني أستطيع أن أخرج الكتاب النفيس باسم «نظرية العقد» على الوجه الذي أطمئن إليه فشرعت في الطبع مستعينا بالله سبحانه وتعالى.
وفي أثناء الطبع شرف حضرة صاحب السمو الملكي الأمير منصور حفظه الله القاهرة فلما تشرفت بزيارته سألني عما تم في طبع كتاب العقود فأخبرت سموه أني في عودته الميمونة إن شاء الله سأتشرف بتقديم الكتاب إلى سموه مطبوعا على الوجه الذي يحبه ويسره فسر لذلك وأوصاني بالجد والإسراع.
صفحة ٥
وها أنا أجلو هذه التحفة الثمينة وأزفها إلى المعنيين بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية ومقتفي أثره نفعني الله وإياهم بما فيها وفي كتب شيخ الإسلام من العلوم النافعة وهدانا جميعا صراطه المستقيم وجزى الله صاحب السمو الملكي الأمير منصورا المعظم أفضل الجزاء على مساهمته العظيمة في إخراج هذه التحفة مقتفيا في ذلك آثار والده العظيم حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم عبد العزيز آل سعود أطال الله حياته لخير الإسلام والعروبة وأدام الله عليه نعمة العافية والتوفيق والتأييد والنصر والتسديد.
وقد تفضل حضرة صاحب السمو الملكي الأمير الكريم الشهم الهمام منصور المعظم تعميما للنفع بهذا الكتاب وغيره فأذن لي حفظه الله وأطال بقاءه في صالح الأعمال أن أطبع نسخا للبيع بتكاليف الطبع للذين لا يتيسر لهم الحصول على النسخ المطبوعة على حساب سموه الخاص.
فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك في حضرة صاحب السمو الملكي وأن يديم توفيقه لكل عمل صالح وأن يبارك في جلالة والده المعظم وفي آل سعود الأمجاد وأن يجعلهم قرة لعيون المسلمين.
وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله محمد وعلى آله أجمعين.
وكتبه الفقير إلى عفو الله ومغفرته
محمد حامد الفقي
من القاهرة في
شوال سنة 1368 ه
صفحة ٦
أغسطس سنة 1949 م ابن تيمية
نظرية العقد
صفحة ١
1368ه - 1949م بتحقيق
محمد حامد الفقي
مطبعة السنة المحمدية
صفحة ٢
ت 79017 بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن يا كريم
الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما.
قاعدة شريفة جامعة
في وجوب الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ووجوب عبادة الله وحده لا شريك له وطاعته وطاعة رسله على كل أحد في كل حال بحسب الاستطاعة وأن كل ما خالف ذلك فهو باطل والتنبيه على إبطال الاعتقادات والعقود المخالفة لذلك وبيان أن مراتب الناس في الخير والشر بحسب الدخول في ذلك والخروج منه فأفضلهم أكملهم قياما بذلك كالنبيين والصديقين والشهداء [و] الصالحين* وشرهم أبعدهم عنه كالكفار المعطلين والمشركين مثل فرعون وغيره من أصناف الكفار والمنافقين.
وأفضل الخلق من حين بعث محمد صلى الله عليه وسلم وأقومهم بذلك أتبعهم له وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار.
وشر الخلق أعظمهم مخالفة لهؤلاء كالزنادقة الملحدين من القرامطة الباطنية العبيدية وغيرهم قال الله تعالى {51: 56 وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} وقال {2: 21 يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون} وقال تعالى {4: 36 واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب} الآية.
صفحة ٣
وقد أخبر عن جميع الرسل أنهم دعوا إلى عبادة الله وحده لا شريك له كما أخبر عن نوح وهود وصالح وغيرهم وقال تعالى {21: 25 وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} وقال تعالى {43: 45 واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون} وقال تعالى {16: 36 ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} وقال تعالى {23: 51 - 53 يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم • وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون • فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون} وقال تعالى {21: 92 - 93 إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون • وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون} وقال تعالى {42: 13 شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه}.
وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان يقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله» وثبت عنه في الصحيح أنه كان يقول «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله» وفي رواية «ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة».
وثبت عنه في الصحيح «أنه لما بعث معاذا إلى اليمن قال إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأعلمهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن هم أطالعوا لك بذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب».
صفحة ٤
وثبت عنه في الصحيحين من حديث أبي هريرة وفي صحيح مسلم من حديث عمر «أنه لما سئل عن الإسلام قال أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت وسئل عن الإيمان فقال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره وسئل عن الإحسان فقال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
وفي المسند عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم» وقد قال تعالى {3: 19 إن الدين عند الله الإسلام} وقال تعالى {3: 85 ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}.
وقد أخبر أن الإسلام هو دين الأنبياء وأتباعهم من نوح إلى الحواريين فقال عن نوح عليه السلام {10: 72 فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين} وقال عن الخليل عليه السلام {2: 130 - 132 ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين • إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين • ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} وقال تعالى {3: 67 ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين} وقال تعالى عن موسى {10: 84 يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين} وقال عن يوسف {12: 101 فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين} وقال عن أنبياء بني إسرائيل {5: 44 إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا} وقال في قصة بلقيس {27: 44 رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين}.
صفحة ٥
وقال عن الحواريين {5: 111 وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون} وقال تعالى {3: 52 - 53 فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون • ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين}.
وأخبر أيضا أن المؤمنين المصلحين من الأولين والآخرين سعدوا في الآخرة فقال تعالى {2: 62 إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.
وأخبر أن الجنة أعدت لمن آمن بالله ورسله وأن من أطاع الرسل فهو سعيد فقال تعالى {57: 21 سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله} وقال تعالى {4: 69 ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا}.
وأخبر أنه لا يعذب إلا من بلغته الرسالة فقال تعالى {17: 15 وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} وقال تعالى {4: 165 لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} وقال تعالى {67: 8 - 9 كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير • قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير}.
وبين أنه من عصى الله ورسوله فهو شقي فقال تعالى {4: 14 ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين}.
وهذا هو الإسلام العام الذي هو دين الله في كل زمان ومكان وهو الحنيفية وهو أن يستسلم العبد لله لا لغير الله فمن لم يستسلم له بل استكبر عن عبادته
صفحة ٦
[وجوب إخلاص العبادة لله ووجوب طاعته وطاعة رسوله صلى الله
عليه وسلم]
فقد قال تعالى {40: 60 إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} وقال {4: 172 - 173 لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا • فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا} ومن استسلم له ولغيره فهو مشرك به وقد قال تعالى {4: 116 إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.
فمن تعطل عن عبادته وعبادة غيره أو أشرك به فعبد غيره معه كان خارجا عن الإسلام الذي لا يقبل الله دينا غيره ومن عبده وحده ولم يشرك به فهو مسلم.
وعبادته إنما هي بطاعته وطاعة رسله.
فأما إذا أمر الله على ألسنة رسله بشيء فعدل عنه العبد إلى ما يحبه هو كان عابدا لهواه لا عابدا لله قال [تعالى] * {25: 43 أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا} وقال تعالى {45: 23 أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة} وهذا هو الذي تأله ما يهواه لا ما يحبه الله ويرضاه وهذا خارج عن عبادة الله إلى عبادة ما يهواه.
فالإسلام مبني على أصلين أن لا يعبد إلا الله وعبادته إنما (هي) ** بطاعته فيما شرع لا بالأهواء والبدع كما قال الفضيل بن عياض رحمة الله عليه في قوله {67: 2 ليبلوكم أيكم أحسن عملا} قال أخلصه وأصوبه قالوا ما أخلصه وأصوبه قال إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا كان صوابا ولم (يكن) *** خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة.
صفحة ٧
فالإسلام الذي هو دين الله في كل زمان هو ما أمر به في ذلك الزمان فكان من الإسلام في أول الهجرة صلاة المسلمين إلى بيت المقدس بضعة عشر شهرا ثم لما صرفت القبلة وأمروا أن يستقبلوا الكعبة كان استقبال الكعبة من الإسلام واستقبال بيت المقدس حينئذ خروجا عن الإسلام وكذلك لما أرسل موسى كان طاعة الله فيما أمر به من السبت وغيره هو الإسلام فلما بعث المسيح كان ما أمر به على لسانه هو الإسلام قال عكرمة وغيره لما أنزل الله تعالى {3: 85 ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} قالت اليهود والنصارى فنحن مسلمون فأنزل الله تعالى {3: 97 ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} فقالوا لا نحج فقال تعالى {3: 97 ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} فبين أن من تمام الإسلام طاعته فيما فرض من حج بيته وإلا فمن كفر بالحج فلم ير حجه برا ولا تركه إثما لم يكن مسلما مطيعا لله ورسوله.
وتنوع شرائع الأنبياء ومناهجهم لا يمنع أن يكون دينهم واحدا وهو الإسلام كتنوع شريعة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قال «إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد» فإن فيها ناسخا ومنسوخا ومع هذا فدينه واحد وهو الإسلام.
وهذا تحقيق ما أخرجناه في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد إن أولى الناس بابن مريم لأنا إنه ليس بينى وبينه نبي» ولهذا ترجم البخاري باب ما جاء في أن دين الأنبياء واحد قال تعالى {42: 13 شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه}.
صفحة ٨
ولهذا كان من تمام الإيمان الإيمان بجميع الرسل والكتب فالرسول الأول يصدق بالثاني والثاني يصدق بالأول كما أخبر [الله] * في القرآن أن محمدا صلى الله عليه وسلم مصدق بجميع الرسل والكتب قبله وفرض عليه وعلى أمته الإيمان بذلك كله فقال تعالى {2: 136 - 137 قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون • فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم} وقال في آخر السورة {2: 285 آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير} وقال في أولها {الم • ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين • الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون • والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون • أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} وقال عن المتقدمين {3: 81 ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين} قال ابن عباس «ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه (1)».
صفحة ٩
وقد جعل الله أمة محمد وسطا كما قال تعالى {2: 143 وكذلك جعلناكم أمة وسطا} أي عدولا خيارا فهم وسط معتدلون بين الطرفين المنحرفين في جميع الأمور في اعتقاداتهم وإراداتهم وأقوالهم وأعمالهم وأهل السنة في الإسلام كأهل الإسلام في الملل فهم معتدلون في باب توحيد الله إذ كان اليهود يصفون الخالق بصفات النقص فيشبهونه بالمخلوق الموصوف بالنقائص كما أخبر الله عنهم أنهم قالوا {3: 181 إن الله فقير ونحن أغنياء} وأنهم قالوا {5: 64 يد الله مغلولة} ونفى عن نفسه اللغوب الذي وصفوه به والسنة والنوم الذي روي أنهم جوزوه عليه أو من جوزه منهم.
والنصارى يصفون المخلوق بصفات الخالق التي اختص بها فلا يشركه فيها غيره كالإلهية وغيرها فقالوا بأن المسيح هو الله وقالوا هو ابن الله و{9: 31 اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} واتخذوا ابن مريم وأمه إلهين من دون الله ولهذا كان النصارى أكثر شركا في العبادات واليهود أكثر تعطيلا للعبادات إذ كانوا أعظم استكبارا عن الحق وجحودا له والنصارى أعظم إقرارا بالباطل وإشراكا به هؤلاء يصدقون بالباطل ويتبعونه وأولئك يكذبون بالحق ويجحدونه وأمة محمد وسط يعبدون الله وحده لا شريك له ويصفونه بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله إذ وصفوه بصفات الكمال التي يستحقها ونزهوه عن النقائص كلها ونزهوه أن يكون أحد يماثله في شيء من صفات كماله وهذا جماع التنزيه أن ينفى عنه كل نقص ينافي الكمال وأن ينزه أن يكون له كفء أحد في شيء من كماله فلا يوصف بنقص ولا يماثله شيء في كماله بل هو كما قال تعالى {قل هو الله أحد • الله الصمد • لم يلد ولم يولد • ولم يكن له كفوا أحد}.
والتوحيد يتضمن توحيد القول والعلم وتوحيد القصد والعمل.
فالأول كما في سورة {قل هو الله أحد}.
والثاني كما في سورة {قل يا أيها الكافرون} فلا بد من وصفه بما يستحقه من صفات الكمال ولا بد من أن يعبد وحده لا شريك له وهو دين الإسلام.
واليهود يستكبرون عن عبادته وعبادة غيره والنصارى يشركون به يعبدون معه غيره.
صفحة ١٠
فالمسلمون وسط في التوحيد علما وعملا.
وكذلك في الإيمان بالرسل فالنصارى غلوا فيهم حتى جعلوا الرسل آلهة وحتى جعلوا الحواريين أتباع المسيح أفضل من إبراهيم وموسى وعيسى.
واليهود جفوا عنهم حتى قتلوا النبيين بغير حق وحتى أنكروا نبوة غير واحد منهم مثل سليمان وغيره وبهتوهم بالكذب عليهم والأذى لهم كما آذوا موسى وبهتوه وكذلك بهتوا غيره من الأنبياء.
والمسلمون آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد من رسله وعزروهم ووقروهم ولم يغلوا فيهم ولم يجفوا عنهم.
والبدع المخالفة للكتاب والسنة ترجع إلى دين اليهود والنصارى أو غيرهم وإنما الإسلام هو الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وهو ما بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وهو ما دل عليه الكتاب والسنة وهو طريق عبودية الله تعالى وهو دين الإسلام الذي لا يقبل الله دينا غيره.
وأيضا ففي التشريع اليهود يمنعون الله أن يغير ما شرع فلا يجوزون له النسخ والنصارى يجوزون لأحبارهم تغيير دين الله بآرائهم وأهوائهم والمسلمون لا يجوزون لغير الله أن يغير دين الله ولا يمنعون الله أن يأمر بما يشاء ويحكم ما يريد إذ له الخلق والأمر يخلق ما يشاء ويأمر بما يشاء وهو سبحانه في خلقه وأمره عليم حكيم رحيم حليم قائم بالقسط مستحق للحمد الذي لا غاية فوقه منزه عما يناقض ذلك من كل وجه له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
صفحة ١١
وأيضا ففي نفس الشرائع الأمر والنهي والحلال والحرام اليهود حرمت عليهم الطيبات وغلظ عليهم الأمر في النجاسات حتى أن المرأة الحائض لا يستقرون معها في بيت ولا يؤاكلونها وحتى كان البول إذا صاب ثوب أحدهم قرضه فلم يمكن عندهم إزالة النجاسة والنصارى لا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يأمرون بطهارة بل يتعبد الراهب عندهم بترك الطهارة فلا يغتسل من جنابة ولا يزيل نجاسة ولا يتطيب من وسخ وكلما كان أقرب إلى الخبائث والنجاسات كان أعبد عندهم ولهذا يقترن بعبادهم الشياطين فإن الخبائث والنجاسات هي مناسبة للشياطين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «إن هذه الحشوش محتضرة» وكما روي «أن الحمام بيت الشيطان» وهم في المأكل يقولون أو من يقول منهم ما بين البعوضة إلى الفيل حلال كل ما شئت ودع ما شئت.
وكذلك في الأمر اليهود قد جمدوا على ما يزعمون أنهم مأمورون به لا يقبلون دينا غيره مع أنهم مخالفون له كما قال تعالى {2: 91 وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين} والنصارى يتبعون كل من وضع لهم شرعا ويزعمون أن ما أمر به رؤساءهم فالله أمرهم به وما نهوهم عنه فالله نهاهم عنه كما قال تعالى {9: 31 اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} وفي حديث عدي بن حاتم «قلت يا رسول الله ما عبدوهم فقال بلى أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم فتلك عبادتهم إياهم» وكذلك قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ولهذا قال الله تعالى عن النصارى {9: 29 ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق}.
والمسلمون يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يحرمون غير ذلك ويدينون بما أمر الله ورسوله ولا يدينون بغير ذلك فلا حرام عندهم إلا ما حرمه الله ورسوله ولا دين عندهم إلا ما شرعه الله ورسوله.
والمشركون شر من اليهود والنصارى ولهذا وصفهم الله تعالى في
صفحة ١٢
القرآن في سورتي الأنعام والأعراف بخلاف دين الإسلام بأن {42: 21 أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} وبأنهم حرموا ما لم يحرمه الله ورسوله كما قال ابن عباس «إذا أردت أن تعرف جهل العرب فاقرأ من سورة الأنعام من قوله {6: 136 وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا} الآيات».
وقال ابن جرير في تفسيره حدثني (الحارث) * حدثنا عبد العزيز حدثنا أبو عوانة عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما بعد المائة {6: 140 قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم} الآيات.
وقد قال في سورة الأعراف لما ذكر ما كانوا يأمرون به من الشرك وغيره وما يحرمونه من الطعام واللباس الذي لم يحرمه الله وذكر تعالى ما أمر به وما حرمه فقال {7: 29 - 33 قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون • فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة} إلى قوله تعالى {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}.
فصل
ولما كان هذا دينه الذي أمر به ونهى عما يناقضه وأمر باتباعه وبإبطال ما يناقضه قال تعالى {7: 1 - 3 المص • كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين • اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون} وقال تعالى {6: 153 وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} وقال تعالى {47: 1 - 28 الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم • والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم • ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا
صفحة ١٣
[كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل]
الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم} إلى قوله {ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم} وقال تعالى {25: 27 - 29 ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا • يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا • لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا}.
ودينه سبحانه هو عبادته وحده لا شريك له فمخالفته هو الإشراك به كما قال تعالى {36: 60 ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين • وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم} وقال تعالى {18: 50 أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا} وقال تعالى {42: 21 أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} وقال تعالى {2: 165 ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله} وقال تعالى {9: 31 اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم فكانت تلك عبادتهم إياهم» ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح حديث عائشة رضي الله عنها «من أحدث في أمرنا أو ديننا هذا ما ليس منه فهو رد» وفي لفظ «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» وقال أيضا في الحديث الصحيح حديث عائشة في شأن بريرة لما خطب على المنبر «ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط» هذا لفظ هشام وفي رواية الزهري عن عروة «وإن شرط مائة مرة كتاب الله أحق وشرط الله أوثق» بين صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة التي هي من جوامع الكلم الذي بعث به أن ما خالف كتاب الله وشرط الله فهو باطل وأن كتاب الله
صفحة ١٤