تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ (سورة آل عمران، الآية ٦٥). فاستدل على بطلان دعوى اليهود في إبراهيم أنه يهودي، ودعوى النصارى أنه نصراني بقوله: ﴿وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ﴾. وهذا من لطائف الاستدلالات ومقايسها.
وقال الصلاح الصفدي: قد يفيد التاريخ حزمًا وعزمًا وموعظة وعلمًا وهمة تذهب همًا، وبيانًا يزيل وهنًا وهمًا ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ (سورة هود، الآية ١٢٠) ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ (سورة يوسف، الآية ١١١). وقال التاج السبكي في (معيد النعم ومبيد التقم): المؤرخون على شفا جرف هار لأنهم يتسلطون على أعراض الناس، وربما مس أناسًا تعصبًا أو جهلًا أو اعتمادًا على نقل من لا يوثق به أو غيرها من الأسباب، فعلى المؤرخ أن يتقي اللَّه. قال الشيخ الوالد، يعني السبكي الكبير: الرأي لا يُقبَلُ مدح أو ذم من المؤرخين إلا بشروط: أن يكون صادقًا، وأن يعتمد اللفظ دون المعنى، وأن يكون عارفًا بحال من يترجمه علمًا ودينًا وغيرهما من صفاته، وهو عزيز جدًّا، وأن يكون حسن العبارة، عارفًا بمدلولات الألفاظ، حسن التصور حتى يتصور في حال ترجمته حال ذلك الشخص، ويعبر عنه بما لا يزيد ولا ينقص من حاله، وأن لا يغلبه الهوى فيطنب في مدح من يحبه أو يقصر في غيره -انتهى.
وقال الصفدي أيضًا: يبدأ في التراجم باللقب ثم بالكنية ثم بالاسم، وبالنسبة إلى البلاد ثم إلى الأصل ثم إلى المذهب في الفروع، ثم إلى الاعتقاد، ثم إلى العلم والصناعة والخلافة والسلطنة والوزارة والقضاء والإمرة والمشيخة. قلت: ولعله أخذ البداعة باللقب قبل الاسم من قوله تعالى: ﴿الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ وإلا فالذي عند النحاة أن الغالب تأخير اللقب عن الاسم والكنية عند الاجتماع، واللَّه أعلم.
1 / 31