النيازك في التاريخ الإنساني

علي عبد الله بركات ت. 1450 هجري
13

النيازك في التاريخ الإنساني

تصانيف

الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، أشار إلى أن النيازك ترتبط بالنجوم؛ ومن ثم يعد ذلك اعترافا بوجود مادة صلبة تسقط من السماء. ولا توجد إشارات أخرى معروفة في كتابات الأقدمين عن الأحجار السماوية، حتى عصر «أرسطو» (384-322ق.م.) الذي لمس الموضوع في كتاباته عن الموضوعات الجيولوجية في مؤلفه المعروف ب «الآثار العلوية»؛ حيث تطرق إليها ضمنا في محاولته تفسير ظاهرة البرق، التي تختلط مع ظاهرة سقوط الأجسام الصلبة من السماء، معتبرها بمثابة دخان أرضي، يصعد عاليا في الأجواء حيث يتكاثف، ليعود ويسقط ثانية على الأرض بقوة: «... والزفير الجاف عندما يخرج إلى الفضاء، وتحت ظروف خاصة يسبب الرعد والبرق والظواهر الأخرى. وفي أوقات أخرى قد يتجمع كغيمة سوداء تتكاثف لتشكل الحجارة التي تقذف بقوة نحو الأرض؛ لذا فقد سميت «القذائف الرعدية»

Thunder bolts .

3

ويذكر بعض الباحثين أن «أرسطو» أنكر ظاهرة سقوط أجسام صلبة من السماء، وفسر ظاهرة سقوط بعض الأحجار من السماء، كما في حادثة سقوط نيزك «إيجوسبوتامي» التي سبق الإشارة إليها، إلى أنها ناتجة عن اندفاع قطع من الصخور الأرضية بالرياح، ثم ما تلبث أن تسقط ثانية على الأرض، مما كان له أثر في تراجع الاعتقاد بوجود ظاهرة سقوط الأحجار السماوية على الأرض.

4

وتعتبر كتابات ابن سينا (القرن العاشر-الحادي عشر الميلادي) عن الصواعق؛ أهم الإسهامات المباشرة في هذا المجال، والبداية الحقيقية لميلاد علم دراسة النيازك؛ فلقد أشار - في معرض حديثه عن تكون الأحجار في كتابه «الشفاء» - إلى أن النيازك تأتي من مصادر سماوية، باعتبارها ضربا من تكون الأحجار من تحول نيران الصاعقة إلى مواد صلبة، حديدية أو حجرية. وقد خالف بذلك الآراء التي كانت شائعة آنذاك من أنها نواتج الزفير الأرضي، الذي يندفع في الجو، ثم يتكاثف ليسقط ثانية على الأرض، لكن أهم وأكبر إسهام لابن سينا في مجال تطور علم النيازك، هو ما قام به من دراسة وتحليل ما اعتبره نيازك، وخلص إلى طبيعة مكوناتها المعدنية والكيميائية. ويعتبر ذلك أول محاولة معروفة من نوعها في تاريخ علم النيازك، لتحليل الأجسام الساقطة من السماء والوقوف على مكوناتها الكيميائية. ثمة إسهام آخر لابن سينا في هذا المجال؛ هو وصفه لحادثة سقوط نيزك كبير على «جوزجانان» (ضمن حدود أفغانستان الآن) في القرن الحادي عشر الميلادي، حيث سجل صوت الانفجارات الهائلة التي صاحبت عملية السقوط تلك، والرعب والفزع اللذين أصابا الناس، والرجة العنيفة التي أحدثها الجسم لحظة ارتطامه بالأرض. ثم تطرق إلى ما يعد وصفا تفصيليا لتراكيب

Structures

النيزك، ومكوناته المعدنية، ومحاولة نقله من مكانه الذي سقط عليه، ومحاولات اقتطاع أجزاء منه ووزنه. وأشار في وصفه الجسم الساقط إلى أنه يتكون من الحديد وحبيبات مستديرة صغيرة، تشبه حبات «الجاورس» (الذرة الشامية). وقد مكن هذا الوصف الدقيق والوافي لطبيعة ومكونات الجسم؛ الباحثين في العصر الحالي من معرفة نوع النيزك الذي سقط آنذاك، والتحقق من كونه أول نيزك يوصف في تاريخ علم النيازك، من طائفة النيازك الحديدية الحجرية (مجموعة البالاسيت).

5

واستمر الحال سجالا في مجال علم النيازك، ما بين تقدم وانحسار. ومن أشد أوقات انحسار هذا العلم النصف الثاني من القرن الثامن عشر، الذي يعد عصر ازدهار العلوم المختلفة؛ فخلال تلك الفترة ساد اعتقاد يكاد يكون عاما ينكر ظاهرة سقوط الأحجار السماوية. ومن الأحداث المشهودة في ذلك الوقت إنكار واحد من أشهر الباحثين في علم المعادن (النمساوي أندرياس كازفييه ستوتز 1747-1806م) لسقوط الأحجار السماوية، وسخريته من التقارير التي تتعامل مع مثل تلك الحوادث؛ إذ انتقد بشدة وسخر من تقرير سجل وصفا لحادثة سقوط نيزك حديدي في عام 1785م على مدينة «هراشينا» التي تقع في كرواتيا الحالية.

صفحة غير معروفة