سقراط وأحد الفلاسفة
كان سقراط الحكيم قليل الأكل خشن اللباس، فكتب إليه بعض الفلاسفة: «أنت تحسب أن الرحمة لكل ذي روح واجبة، وأنت ذو روح فلا ترحمها بترك قلة الأكل وخشن اللباس.» فكتب في جوابه: «عاتبتني على لبس الخشن، وقد يعشق الإنسان القبيحة ويترك الحسناء، وعاتبتني على قلة الأكل، وإنما أريد أن آكل لأعيش وأنت تريد تعيش لتأكل، والسلام»، فكتب إليه الفيلسوف: «قد عرفت السبب في قلة الأكل، فما السبب في قلة الكلام؟ وإذا كنت تبخل على نفسك بالمأكل فلم تبخل على الناس بالكلام؟»، فكتب في جوابه: «ما احتجت إلى مفارقته، وتركه للناس فليس لك، والشغل بما ليس لك عبث، وقد خلق الحق سبحانه لك أذنين ولسانا؛ لتسمع ضعف ما تقول، ولا لتقول أكثر مما تسمع، والسلام.»
فيثاغورس الفيلسوف وسائلوه
قيل لفيثاغورس الفيلسوف: من الذي يسلم من معاداة الناس؟ قال: من لم يظهر منه خير ولا شر. قيل: وكيف ذلك؟! قال: لأنه إن ظهر منه خير عاداه الأشرار، وإن ظهر منه شر عاداه الأخيار!
طاليس الفيلسوف والعجوز
بينما كان طاليس خارجا من محله لرصد الكواكب؛ إذ مر بحفرة عميقة فوقع فيها، فرأته عجوز فأخرجته منها، ثم قالت له: أتزعم يا طاليس أنك تعلم جميع ما في السماء مع أنك لم تعلم ما تحت رجليك؟!
سولون الفيلسوف وأهل أثينا
جرت قديما حروب بين الأثينيين والمغاريين بسبب جزيرة سلامينا، وانتهى الأمر بينهم إلى أن انهزم الأثينيون تعبا بسبب سفك الدماء، حتى أجمع رأيهم على أن كل من تكلم في شأن المغاريين لأجل جزيرة سلامينا وطلب تجديد الحرب معهم يكون جزاؤه الموت ما دام المغاريون مستولين عليها، فرأى سولون الفيلسوف أنه إذا تكلم في ذلك أضر بنفسه، وإذا سكت يعود الضر على وطنه وأهل مملكته، فتظاهر بالجنون خديعة لهم ليبدي ما يخطر له، فشاع في المدينة خبر جنونه، فأنشأ أبيات شعر محزنة حفظها جيدا ثم خرج لابسا ثياب صوف رثة، وفي عنقه حبل، وعلى رأسه طيلسان قديم، فاجتمع عليه أهل المدينة، فطلع إلى مرتفع مخصص للمناداة وأنشد تلك الأشعار المحزنة، ثم قال بأعلى صوته: ليتني ما كنت من أهل هذه البلدة، وا حسرتاه! أتمنى لو كنت مولودا في بلاد الأعجام أو البرابرة أو في أي مكان آخر؛ فإن ذلك أهون علي من أن يراني الناس ويشيروا إلي ويقولون: إن هذا الرجل من أهل أثينا الذين فروا من حرب سلامينا، فأسرعوا في أخذ الثار، وامحوا عنا هذا العار الذي لحقنا، وتنبهوا حتى نأخذ هذه المدينة التي أخذها أعداؤنا ظلما وعدوانا. فأثر قوله ذلك في عقول أهل أثينا، وأبطلوا اتفاقهم، وأخذوا سلاحهم، ومضوا إلى حرب المغاريين.
أكرسيوس صديق يولون الفيلسوف
أسر قيروس ملك العجم إستياجس الملك جد أكرسيوس أبا أمه، وأخذ جميع ملكه رغما عن إرادة أكرسيوس، فغضب لذلك أكرسيوس، وأخذته الحمية على جده، وقصد حرب بلاد العجم؛ لأنه رأى نفسه ذا ثروة عظيمة، ورأى أن أهل مملكته أشجع في الحرب من جميع العالم، فضمن لنفسه الظفر، ولكن لسوء حظه انهزم إلى مدينة سارديس في مروره فيها مدة أربعة عشر يوما، ثم أخذوه أسيرا بالسلاسل والأغلال، وأحضروه إلى قيروس، فأمر أن يوضع مغلولا في مستوقد من حطب، ووضعوا حوله أربعة عشر غلاما، وأمر بأن يحرقوه بالنار بمشاهدة قيروس وجميع العجم، وهموا بوضع النار في الحطب، وإذا بأكرسيوس وقد تذكر كلاما سمعه من سولون الفيلسوف وصاح آسفا حزينا: سولون، سولون، فعجب قيروس، وبعث يسأله عن ذا الاسم الذي قد تذكره؛ أهو من أسماء الآلهة فينقذه؟ فما أجابه أكرسيوس، فشددوا عليه، فقال بصوت ملؤه الأسف: إن من ذكرته رجل يجب على الملوك أن يستصحبوه ويقربوه منهم، ويعتبروه ويسمعوا كلامه، فإنه أنفع من خزائنهم وجميع ما عندهم من الأشياء النفيسة، فقالوا: حدثنا عنه سريعا. فقال: إنه من أعظم حكماء اليونان، وقد كنت أرسلت له سابقا لأستشيره في جميع أموري، فقال لي عفوا: «ما هذه الحياة الدنيا إلا باطل زائل، وأنه ينبغي على الأديب أن يتوقع آخر عمره، ولا يغتر بسعادته، ولا يعتمد عليها؛ لأنها معرضة لأكثر المصائب التي تفوق الإحصاء»، فقد عرفت الآن حقيقة ما قاله لي. وفيما هو يتكلم اشتعلت النار في الحطب من تحت المستوقد، وابتدأت تتصاعد إلى أعلى، فعند ذلك حصل لقيروس الشفقة، واتعظ بكلامه، وهاجه حالة أكرسيوس المحزنة، وذكر سابق مجده وما كان عليه من العز والرخاء، فأمر للحال بإطفاء النار، وإطلاق أكرسيوس من السلاسل التي كان مقيدا بها، وأحسن إليه، واعتمد على مشورته في سائر أموره.
صفحة غير معروفة