كان فرقد السنجي يلبس المسوح فلقي الحسن، فقال: يا أبا سعيد، ما ألين ثوبك! فقال الحسن: يا فرقد، ليس لين ثيابي يباعدني من الله، ولا خشونتها تقربك منه «إن الله جميل يحب الجمال».
الرشيد والبهلول
لما بلغ الرشيد الكوفة قاصدا الحج خرج أهل الكوفة للنظر إليه وهو في هودج عال، فنادى البهلول: يا هارون، يا هارون، فقال: من المجترئ علينا؟! فقيل: هو البهلول. فرفع السجف فقال البهلول: يا أمير المؤمنين، روي عن عبد الله العامري قال: «رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم
سائرا إلى الحج؛ لا ضرب، ولا طرد، ولا قال: إليك، إليك»، وتواضعك يا أمير المؤمنين في سفرك هذا خير من تكبرك. فبكى الرشيد حتى جرت دموعه على الأرض، وقال: أحسنت يا بهلول، زدنا. فقال: أيما رجل آتاه الله مالا وجمالا وسلطانا فأنفق ماله، وعف جماله، وعدل في سلطانه كتب في ديوان الله من الأبرار. فقال له الرشيد: أحسنت. وأمر له بجائزة، فقال: لا حاجة لي بها، ردها إلى من أخذتها منه! قال: فنجري عليك رزقا يقوم بك؟ فرفع البهلول طرفه إلى السماء، وقال يا أمير المؤمنين، أنا وأنت عيال الله، فمن المحال أن يذكرك وينساني.
بعض الصلحاء والزاهد
قال بعض الصلحاء: بينا أنا سائر في بعض جبال بيت المقدس؛ إذ هبطت إلى واد هناك، وإذا أنا بصوت عال ولتلك الجبال دوي منه، فاتبعت الصوت، فإذا أنا بروضة فيها شجر ملتف، ورجل قائم يردد هذه الآية:
يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه (آل عمران: 30)، فوقفت خلفه وهو يردد هذه الآية، ثم صاح صيحة وخر مغشيا عليه، فانتظرت إفاقته، فأفاق بعد ساعة وهو يقول: أعوذ بك من أعمال البطالين، وأعوذ بك من أعمال الغافلين، لك خشعت قلوب الخائفين، وفزعت أعمال المقصرين، وذلت قلوب العارفين، ثم نفض يديه، وهو يقول: ما لي وللدنيا؟! وما للدنيا وما لي؟! أين القرون الماضية؟ وأهل الدهور السالفة؟ في التراب يبلون، وعلى مر الدهور يفنون. فناديته: يا عبد الله، أنا منذ اليوم خلفك أنتظر فراغك. قال: وكيف يفرغ من يبادر الأوقات وتبادره؟ كيف يفرغ من ذهبت أيامه وبقيت آثامه؟ ثم قال: أتت وأنا لها، ولكل شدة أتوقع، ثم لها عني ساعة، وقرأ:
وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون (الزمر: 47)، ثم صاح صيحة أشد من الأولى، وخر مغشيا عليه، فقلت: قد خرجت روحه. فدنوت منه، فإذا هو يضطرب، ثم أفاق وهو يقول: من أنا؟ ما خطئي؟ هب لي إساءتي بفضلك، وجللني بسترك، واعف عني بكرم وجهك، إذا وقفت بين يديك. فقلت له: يا سيدي، بالذي ترجوه لنفسك وتثق به إلا كلمتني! فقال: عليك بكلام من ينفعك كلامه، ودع كلام من أوبقته ذنوبه، أنا في هذا الموضع ما شاء الله أجاهد إبليس ويجاهدني، فلم يجد عونا علي ليخرجني مما أنا فيه، فإليك عني، فقد عطلت لساني، ومالت إلى حديثك شعبة من قلبي، فأنا أعوذ من شرك بمن أرجو أن يعيذني من سخطه. فقلت في نفسي: هذا ولي من أولياء الله، أخاف أن أشغله عن ربه. ثم تركته ومضيت لوجهي.
ذو النون المصري والمرأة الزاهدة
صفحة غير معروفة