بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي من علينا بالإسلام وهدانا بالإيمان الجاري على أحسن نظام، وأنعم علينا بشفاعة نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام، وجعل سير الأولين عبرة لأولي الأفهام، وتقلبات الأحوال قاضية على كل أمر حادث بالإنصرام، كيلا يغتر ذو جمال حسن ولا ييأس من لعبت بأحواله أكف السقام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تشفي القلوب من لظى الأوام وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله الذي فتح للهداية أبوابًا يلج المستفتحون لها بمفاتيح الانقياد والاستسلام، صلى الله عليه وعلى آله صلاة دائمة ببقاء الأيام وبعد فإني لما رأيت أيام مولانا السلطان، الملك الناصر جامع كلمة الإيمان، وقامع عبدة الصلبان، رافع علم العدل والإحسان، صلاح الدنيا والدين، سلطان الإسلام والمسلمين، منقذ بيت المقدس من أيدي المشركين خادم الحرمين الشريفين أبي المظفر يوسف بن أيوب بن شاذي سقى الله ضريحه صوب الرضوان، وأذاقه في مقر رحمته حلاوة نتيجة الإيمان، قد صدقت من أخبار

1 / 25

الأولين ما كذبه الاستبعاد، وشهدت بالصحة لما روي من نوادر الكرام الأجواد، وحققت وقعات شجعان مماليكها ما قدحت فيه الشكوك من أخبار الشجعان، ورأيت بالعيان من الصبر على المكاره في ذات الله ما قوى به الإيمان، وعظمت عجائبها عن أن يحيط بها خاطر أو يجنها جنان، وجلت نوادرها أن تحد ببيان لسان، أو أن تسطر في طرس ببنان، وكانت مع ذلك من قبيل لا يمكن الخبير بها إخفاؤها، ولا يسع المطلع عليها إلا أن تروي عنه أخبارها وأنباؤها، ومسني من رق نعمتها، وحق محبتها وواجب خدمتها، ما يجب علي به إبداء ما حققت من حسناتها، ورواية ما علمت من محاسن صفاتها. رأيت أن أختصر من ذلك على ما أملاه علي العيان، أو الخبر الذي يقارب مظنونه درجة الإيقان، وذلك جزء من كل، وقل من جل، ليستدل بالقليل على الكثير، وبالشعاع على المستطيل بعد المستطير، وسميت هذا المختصر من تاريخها: النوادر السلطانية، والمحاسن اليوسفية.

1 / 26

وجعلته قسمين أحدهما في مولده ﵀ ومنشئه وخصائصه وأوصافه وأخلاقه المرضية، وشمائله الراجحة في نظر الشرع الوفية، والقسم الثاني في تقلبات الأحوال به ووقائعه وفتوحه، وتواريخ ذلك أيام حياته قدس الله روحه، والله المستعان في الصيانة عن هفوات اللسان والقلم، وجريان الخاطر بما فيه مزلة القدم، وهو حسبي ونعم الوكيل.

1 / 27

القسم الأول في ذكر مولده وخصائصه وأوصافه وشمائله وخلاله

1 / 28

كان مولده ﵀ على ما بلغنا من ألسنة الثقات الذين تتبعوه حتى بنوا عليه تسيير مولده على ما تقتضيه صناعة التنجيم في شهور سنة اثنين وثلاثين وخمسمائة وذلك بقلعة تكريت، وكان والده أيوب بن شاذي رحمه الله تعالى واليًا بها وكان كريمًا أريحيًا حليمًا حسن الأخلاق مولده ببدوين ثم اتفق له الانتقال من تكريت إلى الموصل المحروسة وانتقل ولده المذكور معه وأقام بها إلى أن ترعرع وكان والده محترمًا هو وأخوه أسد الدين شيركوه عند أتابك زنكي واتفق لوالده الانتقال إلى الشام وأعطي بعلبك وأقام بها مدة فنقل ولده المذكور إلى بعلبك المحروسة وأقام بها في خدمة والده يتربى تحت حجره ويرتضع ثدي

1 / 31