فقال له بريان: وأنا إذا ذهبت يوما إلى برلين ورأيتهم قد أقاموا تمثالا يرمز إلى المستعمرات الخصبة التي أخذتموها لا يسعني إلا أن أذرف على حالتهم بدل الدمع دما. •••
أهدت الحكومة الفرنسوية إلى جندي من جيش مقدونيا صليب الحرب، وأهدت هذا الصليب ذاته إلى الجنرال بايو القائد الثاني لذلك الجيش بعد الجنرال سرايل، فعرض الجنرال بايو الجيش وسلم الصليب للجندي، ولما لم يكن هناك واحد من الجنرالية يعلق على صدر الجنرال بايو الصليب المهدى إليه دعا ذلك الجندي ذاته، وقال له يا صاحبي إنا متساويان فتفضل بتعليق هذا النشان على صدري كما أنا علقت النشان على صدرك، فأكبر الجيش كله هذا العمل من الجنرال. •••
روح الجندي الفرنسوي: بينما كان جماعة من أهل أركاشون يروحون النفس التقوا بخمسة عشر جنديا فرنسويا من الجرحى المتماثلين للشفاء فسألهم أهل تلك المدينة: «أين جرحتم؟» فقالوا: في معركة المارن، فقال الأهلون: «أنتم ورفاقكم أنقذتم مدينتا.» فقالوا: كلا، إن الجنرال جوفر هو الذي أنقذها ونحن لم نعمل إلا بأمره حين قال لنا: «ابقوا في مكانكم حتى الموت فبقينا.» •••
داء البول السكري والحرب: جاء في مجلة العلم الطبي أن الوفيات بالبول السكري أو الديابيطس في أوروبا في السنوات السابقة للحرب كانت ثابتة من سنة إلى سنة لا يكاد يبدو فيها تغيير، ولكنها أخذت تقل شيئا فشيئا في السنوات الأربع 1916 إلى 1919 من 444 في الألف إلى 202، وذكرت أن مثل ذلك جرى مدة حصار باريس سنة 1870-1871 واحتلال الألمان لمدينة ليل في الحرب الماضية، وأن كثيرين من المصابين بالداء وكانت إصابتهم خفيفة تحسنوا أو شفوا ورجحت أن سبب ذلك قلة الطعام. •••
خسارة النفوس في الحرب: بحثت إحدى الجمعيات العلمية الدنمركية في خسارة النفوس في الحرب العظمى فقسمت هذه الخسارة إلى ثلاثة أقسام أكبرها الخسارة في الأولاد الذين لم يولدوا ولكنهم كانوا يولدون لولا الحرب، ثانيها خسارة الذين ماتوا من الجوع أو من سوء التغذية خارج ميادين القتال، وثالثها خسارة النفوس في الميادين، وقد قدرت الخسارة الأولى بمبلغ 20210000، والثانية بمبلغ 15130000، والثالثة بعشرة ملايين، وبعبارة أخرى: إن سكان الدنيا أقل بخمسة وأربعين مليونا مما كانوا يكونون لولا تلك الحرب الطاحنة. •••
الخسائر البحرية: كانت البحار المحيطة بالجزر البريطانية مدفن 41000 بحار منذ بدء الحرب حتى شهر ديسمبر من سنة 1918، وبلغ عدد السفن التي غرقت من سفن الإمبراطورية البريطانية وحدها 4696 ومجموع حمولتها تسع ملايين ونصف مليون طن، وقد نشأ عن عمل العدو فقد 3781 باخرة منها فبلغ حمولتها 8 ملايين ونصف مليون طن. •••
ارتفاع الأثمان بسبب الحرب: انتهت الحرب ولكن العالم يقوم ويقعد لارتفاع ثمن المأكولات وغلاء أسباب المعيشة - فأهالي نيويورك يتذمرون من ارتفاع أجور المساكن وأهالي لندن من غلاء الطعام وأهالي باريس من تصاعد أثمان الملبوسات - وكل تذمراتهم لا تقاس بالنسبة إلى تذمرات أهالي أفريقيا لارتفاع أثمان العرائس.
كانت العروس عند الأفريقي تشترى بأربعة رءوس من البقر أو تبدل برأس خيل أو حمار، أما الآن فقد ارتفع ثمنها مع ارتفاع ثمن غيرها من ضروريات المعيشة، فصار شيخ القبيلة لا يقدر أن يتزوج أكثر من عروسين مع أن جده كان يحصل على أربعة أو خمسة. •••
في ساعة الوداع واقعة حال لطيفة: أخبرنا أحد الذين حضروا توديع الشبان الإيطاليين الذين سافروا من مصر للدفاع عن وطنهم أنه رأى في إحدى مركبات القطر الذي أقلهم فتى يبكي وينظر إلى فتاة تبكي مثله، فكان أول ما بدر إلى ذهنه أن تلك الفتاة هي أخت الفتى، على أنه ما لبث أن رأى كهلا أبيض الرأس ثقيل الخطى يتقدم إلى الفتى ويسأله على مسمع من بعض الحاضرين: «ما بالك تبكي وتنظر إلى ابنتي؟» فقال الشاب: «إني أحبها منذ مدة طويلة ولم أتمالك الآن عن أن أخفي هذا الحب.» فتركه وذهب إلى ابنته فسألها: «هل تحبين ابن فلان؟» قالت: «نعم.» ولما كان الفتى معروفا وسليل عائلة محترمة تقدم الأب إليه وأمسك بيده، ثم أخذ يد ابنته ووضعها في يده قائلا: «أنتما خطيبان من الآن، وأسأل الله أن يمكنني من عقد قرانكما بعد الحرب.»
وما قال الرجل تلك الكلمات حتى أبرقت أسرة الشابين ومسحا دموعهما وظلا يتحدثان إلى أن حان موعد سفر القطر، فسار بالخطيب، والخطيبة تلوح بمنديلها وتتبعه بنظراتها حتى غاب، فحل القلب محل النظر، والحب في القلب فوق الحب بالبصر. •••
صفحة غير معروفة