وقد قدمنا أن الألفاظ مشاكلة للمعاني التي هى أرواحها، يتفرس العاقل فيها
حقيقة المعنى بطبعه وحسه، كما يتعرف الصادق للفراسة صفات الأرواح في الأجساد بنحيزة نفسه.
فحرف " لا ": لام بعدها ألف، يمتد بها الصوت ما لم يقطعه تضييق
النفس، فإذًا امتداد لفظها بامتداد معناها، و" لن " بعكس ذلك، فتأمله فإنه معنى لطيف، وغرض شريف، ألا ترى كيف جاء في القرآن البديع نظمه، الفائق على كل العلوم علمه: (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا)، بحرف " لا " في الموضع الذي اقترن فيه حرف الشرط بالفعل فصار من صيغ العموم، فانسحب على جميع الأزمنة، وهو قوله ﷿: (إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) .
كأنه يقول: متى ما زعموا ذلك لوقت من الأوقات أو زمن من الأزمان وقيل لهم: (تَمَنَّوُا الْمَوْتَ) فلا يتمنونه، وحرف الشرط دل على هذا المعنى، وحرف " لا " في الجواب بإزاء صيغة العموم، لاتساع معنى النفي فيها.
وقال في سورة البقرة: (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ) فقصر من سعة النفي وقرب، لأن
فوله تعالى في النظم: (قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ) .
وليست " إن " ها هنا مع " كان " من صيغ العموم، لأن " كان " ليست بدالة على حدث، وإنما هي داخلة على المبتدأ والخبر عبارة عن مضي في الزمان الذي (كان) فيه ذلك الحدث، فكأنه يقول ﷿ إن كانت (قد) وجبت لكم الدار الآخرة وثبتث (لكم) في علم
1 / 101