( ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين ) [الروم 30 / 22].
وفتح بينهم مجال السعي والتنافس ، فمن الأمم من أفلحت وفازت بنعيمي الدنيا والآخرة ، وصنعت الحضارة ، وسبقت إليه ، وتمتعت بها ، وحمت مكتسباتها في الحياة بكل ما تملكه من قوة وعلم ، فتفتح البلاد ، وتحكم بما أنزل الله ، فتنشر العدل والسلام ، وتصون الأرض والإنسان.
ومنها من فازت بنعيم الدنيا فحسب فأسهمت في بناء أمجادها فيها ، وتدمير غيرها بما تملك من أسباب العلم والقوة ، ووسائل الإرهاب والإيذاء ، أو انغمست بعد ذلك في ملذاتها وملاهيها وشهواتها ، فنسيت ربها وأنفسها وما خلقت له ، فسلط الله عليها من هو أقوى منها وأعتى ، لا يرحمها ، يستبد بها ، فيستعبد إنسانها ويستغل أراضيها مدعيا تحضيرها تحت شعارات وأسماء شتى ، يخدع بها الناس كالوصاية والانتداب والحماية والدفاع المشترك والاستعمار ، فتخسر بذلك الدنيا والآخرة معا ، بدليل قوله تعالى :
( ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ، أولئك هم الفاسقون ) [الحشر 59 / 19].
ومنها من تخلفت عن أسباب الدنيا أو نامت ، وادعت العمل للآخرة وحدها ونسيان الدنيا ، فلم تظفر منهما بشيء ، واستغل أعداؤها نومها ، فاعتدوا عليها وانتهكوا حرماتها بانحرافها عن سنن الحياة التي أوصانا بها الله تعالى إذ يقول :
( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ، وأحسن كما أحسن الله إليك ، ولا تبغ الفساد في الأرض ، إن الله لا يحب المفسدين ) [القصص 28 / 77].
والحياة لا تستقر على حال ، فقد ينام الصاحي ، ويصحو النائم ، ويضعف القوي ، ويقوى الضعيف أو يموت.
ويلجأ مفكرو الأمم في حال ضعفها خاصة إلى بعثها من جديد ، وتقويتها بتوحيدها ، وبث روح النهضة بين أبناء أمتهم ، مذكرين بخصائصها التي منحها الله تعالى إياها ، مفتخرين بماضيها ، إن كان لها ماض مجيد ، أو يدعونه ، ليربطوا الحاضر بالماضي
صفحة ٦