[عدول المؤلف عن رأيه الأول]:
ثم تأملتُ بعدُ ونظرت، وراجعتُ الفكْرَ وتفكرت، فرأيت أن ما ألَّف فيه ابنُ حجر إنما هو في أمر رُفع للسلطان وبرز أمره بالعمل، ثم اختُلف بعد تحقق وجود الأمر السلطاني الذي يرجع فيه إلى ذلك: أيكفي مسوِّغًا لهدم ما آل إلى السقوط وقال أهل الخبرة به؟ أو لا بدَّ بعد تحقُّق الإِذن من وجود السقوط بالفعل؟
فموضوع رسالته في حكم ما خُشي سقوطه ولم يسقُط بعد، وقد رُفع للسلطان فأذن بالهدم (١).
وكون ابن حجر لما نقل أقوال الأئمة بعدُ لم يذكر اعتبار ذلك لا يضر، لأن الأصل الانسحاب والاستصحاب حتى يأتي ما يعارضه. وأيضًا، فانظر لجميع عماراته منذ أيام قريش إلى الآن، لم ينقل أنه عمل فيها إلَّا بعد عرض ذلك الداعي للعمل على السلطان في ذلك، والوقوف عند أمره. ولما كان الأمر زمن قريش منتشرًا في بطونه، لم يعمرها إلَّا مجموع البطون الذي لهم الأمر بمكة، ومن أراد ذلك فلينظر "تاريخ الفاسي" وغيره، وقد لخصه الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (٢).
[الرد على من أنكر جواز تأخير العمارة إلى ورود أمر السلطان]:
وقول بعض الناس أن يؤدي عدم المبادرة بعمارتها إلى سقوط منزلتها ونقصان هيبتها، وقد جاء في حديث مرفوع حسن رواه الإِمام أحمد وابن ماجه:
_________
= اهتدوا إلى الرأي الأول، ثم خالفهم المصنف إلى غير ذلك، وصنف هذه الرسالة. منائح الكرم: ٤/ ٧٢، ٧٣.
(١) وبيان ذلك من قول ابن حجر في مقدمة "المناهل العذبة": [١ / ب]: وبعد: فإنه ورد ... أوامر مولانا سلطان الإِسلام والمسلمين ... بترميم ما تشعث في الكعبة المعظمة ... إلخ. فهذا شاهد ما ذكره المصنف ﵀.
(٢) ينظر: كتاب الحج، باب فضل مكة وبنيانها، الأحاديث ١٥٨٢ - ١٥٨٦، فتح الباري: ٤/ ٢٢٩ - ٢٤٣ ط الفكر.
1 / 38