فنزل يوما ملاك أسود كبير على بيتي ونظر بعينيه الناريتين إلى أحدهما، وكما تكهرب الأفاعي صغار الزغاليل فتأتي صاغرة إلى أفواهها، كهرب ملاك الموت ولدي فسار أمامه صاغرا حزينا!
آه! ما أمرهم عندما يموتون!
آه لنظرات الحزن في عيونهم تقطع الأوصال والأكباد عندما تعف شفاههم عن أطايب الحياة وتتحول إلى ظلمات الأبدية!
عندما يصارعون قوات الموت بكيانهم الضعيف فيختلجون، ويئنون، ويحشرجون وهم لا يدرون ماذا يقطعون.
لمس الموت تمثالي الحي فأصبح باردا.
فأخذته إلى صدري، فهوى عني ومثل لي جمود الموت، فلم أخف الموت لأول مرة في حياتي. عانقته نفسي ساكنة مطمئنة، وشعرت أن الموت قسم من الحياة، وبقيت أتمرغ في حزني هادئة، خاشعة، كأنني اكتشفت في دقيقة كل أسرار الأرض والسماء.
واحتمل الموكب الصغير، الجسم الصغير ضمن النعش الصغير، ومشى به خلال أشجار السنديان، فوقفت أتبعهم بنظري إلى أن أصبحوا نقطا سوداء كبيرة تحمل نقطة بيضاء.
وأراد ذوي أن يحولوا مجرى أفكاري بكلمات مألوفة، فتألمت من نبرات أصواتهم البشرية التي قاطعت في نفسي أصوات الأجواق العلوية! •••
سكوت. بالله أيها الناس، تقول الأمومة!
إنني والموت واحد؛ فلا تفصلوني عن نفسي.
صفحة غير معروفة