140
فإلى أي حد هذا التقابل صحيح؟ وماذا عن القرآن وهو كتاب العرب الأدبي الأول وهو يحث على الخير ويردع عن الشر؟ وأين حث الشعر العربي على الحماس والفضيلة؟ أين الجانب العاطفي الذاتي الوجداني في الشعر العربي؟ وهل يربط اليونان وحدهم بين الشعر والأخلاق، والشعر العربي والقرآن الكريم يفعلان ذلك أيضا؟ وكان بعض شعراء اليونان يحاكون الأفعال بغية المطابقة دون أن يخيل منها حسنا أو قبحا كما فعل هوميروس في محاكاة الفضائل وكما فعل غيره في محاكاة الفضائل والرذائل.
وأحيانا تظهر اللغة الفارسية وحدها باعتبارها إحدى اللغات التي يعرفها ابن سينا ويضرب بها الأمثلة في المنطق. فتظهر بعض الأسماء الفارسية في «البرهان» مثل «الروزكار» وتعني الدنيا أو المعيشة و«الرسام» ويعني ورم الرأس، مكون من «سر» ويعني الرأس و«سام» ورم. ويطلق اللفظ في اليونانية على الحار. اللفظ فارسي وأصله يوناني. و«سيرسيموس» يعني ورم الدماغ الحار ثم صرفه الفرس. هناك إذن صلة مباشرة بين الفارسية واليونانية وليس بالضرورة عبر العربية، وأحيانا يكون المضاد في الفارسية واحد مثل «روشن» ويعني صوتا صافيا، ولونا صافيا، و«تيرة» ويعني صوت كدر ولون كدر. ويمكن تعريب الألفاظ الفارسية وهو كثير في اللغة العربية، وتصبح جزءا من اللغة بعد أن تصبح مشهورة ومتداولة، أما اللغة الأصلية فهو اللسان.
141
وأحيانا تظهر اللغة العربية مقارنة باللغة الفارسية وليست باليونانية وحدها، مما يدل على تفاعل الحكماء مع الثقافتين المتجاورتين، اليونان في الغرب وفارس في الشرق؛ فاللغات عادات في الاستعمال. وهناك عادة اللغة العربية في النفي للحصر السالب الكلي بحرف «لا» وبالفارسية بحرف «ينست». وقد يكون اللفظ بالعربية مفردا وبالفارسية مركبا مثل «جاهل» بالعربية. في العربية مفرد، وفي الفارسية مركب للدلالة على المستقبل «نادان»، لفظان أحدهما يدل على القدم والآخر على العالم أو المعالم. وفي العربية لا يدل الماضي على جزء موضوع مثل صح ومشى، وكذلك المستقبل في الفارسية مثل «بكند». وفي العربية تغيب الرابطة في حين توجد في الفارسية. وأحيانا تكون الحركة مثل الفاتحة دليلا على الرابطة. وأهمية ذلك كله حين الترجمة، حسنها ووقتها، ومهمة المنطق عدم الالتفات إلى اللغة المعنية والذهاب إلى ما وراء تعدد اللغات إلى وحدة المنطق.
142
وفي اللغة الفارسية يحتاج أن يقرن لفظ «هيج» بالسلب حتى يدل على العموم وهو ما يقابل العربية بألفاظ كل وبعض ولا واحد ولا كل ولا بعض أو خيرا وأجمعين في الكلي الموجب، والسلب في الفارسية له طرقه الخاصة مثل «تانبينا» وتعني الأعمى عادم البصر، ومن شأنه أن يبصر. فلم يقع على كل مسلوب البصر. وقد تتحول اللغة إلى التاريخ فيضرب المثل بتاريخ الفرس أقدم من تاريخ العرب لشرح معنى التقدم في الزمان في «متى».
143
ويظهر أصحاب ماني في تصوير حال الغضب والرحمة بصورة قبيحة وتصوير الرحمة بصورة حسنة؛ فعادة الشرق الربط بين الشعر والأخلاق. وفي «الشفاء» هناك تركيز على علم اللغة العام مثل الفارابي وإن كان بدرجة أقل نظرا لمعرفة الحكماء بالسريانية واليونانية والهندية والفارسية، مما يجعل القدرة على تأصيل علم اللغة العام كبيره.
144
صفحة غير معروفة