52
ويستعمل لفظ «اليونانيون» وصفات اليوناني مذكرا ومؤنثا ومضافا إليه في بلاد اليونان للتأكيد على محلية الوافد. فقد كان اليونانيون يستعملون آلة صناعية عند الحروب يفزعون بها نفوس الأعداء، تصدر أصواتا مزعجة. وكان من عادة اليونانيين إذا أرادوا تعليم الصبي صناعة إدخاله إلى هيكل الصنائع وقربوا له قربانا. فاليونانيون يمثلون هنا شعبا له عاداته وتقاليده وخرافاته وليس مصدرا للعلم. كما يستعمل اللفظ للإشارة إلى الأطباء وعجزهم عن معرفة طبائع النبات والاطلاع على خصائصه ومنافعه أو الحكماء الذين اخترعوا آلة تصدر أصواتا بلا زعيق لملاقاة الأعداء. ويجمع الحكماء والأطباء اليونانيين معا في حالة ما إذا صعب علاج مريض حملوه إلى هيكل المشتري، وتصدقوا عنه، وقربوا قربانا، وسألوا الكهنة أن يدعوا الله له بالشفاء. فإذا برأ سموا ذلك طبا ومرضا وجنونا إلهيا، وأفلاطون حكيم اليونانيين على التخصيص وسقراط أيضا. ولفظ الفيلسوف عند اليونانيين معناه الحكيم. وقد توصف الكتابة باليونانية من أربعة وعشرين حرفا، واللغة اليونانية، وتوصف السنة باليونانية طبقا للتاريخ المحلي، كما تخصص بلاد اليونان وحكماء بلاد اليونان وصفا للجغرافيا.
53
وقد استعمل لفظ الحكماء كثيرا كلفظ عام للإشارة إلى كل المشتغلين بالعلم في أكثر من ثلثي الاستعمالات. ثم يخصص الحكماء بإضافة لقب آخر مثل الحكماء والفلاسفة الحكماء والعلماء، الحكماء والمتكلمون، الحكماء والفقهاء، الحكماء والأطباء، الحكماء والأنبياء، الحكماء والموحدون، الحكماء والعقلاء. وقد يكون التخصيص دون واو العطف مثل: الحكماء المنطقيون، الحكماء الطبيعيون، الحكماء الرياضيون، الحكماء الإلهيون، الحكماء الموسيقيون، الحكماء الربانيون، الحكماء المتألهون. وقد يخصص النوع مثل حكماء الجن وتحديدا لموضوعاتهم وأغراضهم وأقوالهم وأخلاقهم، وأكبر الإحالات إلى الحكماء والقرآن مما يدل على غلبة الموروث على الوافد.
54
ولفظ الحكماء أكثر شيوعا من لفظ الفلسفة والفلاسفة، الأول موروث والثاني وافد. لفظ الحكماء ليس مقصورا على اليونان بل يطلق على الموحدين الحكماء.
55
ويصعب معرفة من المقصود بالحكماء؟ هل هم فلاسفة القرن الثالث الهجري وقد عاشت مجموعة أبي سليمان المنطقي في القرن الرابع؟ هل هم الحكماء الخمسة من إخوان الصفا؟ هل كل من يشتغل بالعلم بما في ذلك حكماء اليونان لا فرق بين وافد وموروث؟ هل أقرب إلى المعنى العام الذي لا يعني بالضرورة حكماء اليونان، نقلا له من الخاص إلى العام؛ إذ يوجد الحكماء في الهند، ومن الجن؟ هم أقرب إلى إجماع العقلاء والاتفاق فيما بينهم. فالفلسفة مواضعة واتفاق. وحين التخصيص لا يشار إلى اليونان. فالحكماء المناطقة يستعملون المنطق للبرهان. والبرهان ميزان الحكماء، ويضعون العلوم المعيارية مثل المنطق والعروض والنحو، والمنطق نظر وعمل. والحكماء الرياضيون يضعون مبادئ الحساب أول العلوم الرياضية وأساسها، وإدراك النسبة أساس المعرفة والوجود. وهي أيضا نظر وعمل. والحكماء الطبيعيون يتأملون في الطبيعة بمنهج فلسفي، ويرفعون الطبيعة إلى مستوى الإنسان. فالعالم إنسان كبير، والإنسان عالم صغير. يثبتون أفعال الطبيعة الدالة على الله والعناية كحل وسط، إثباتها مستقلة عن الله أو إنكارها لحساب الفوضى. وتقوى الطبائع بعضها بعضا. هناك علية الوسائط، يقول الحكماء بحدوث العالم وينكرون قدمه بالرغم من الشك في الصواب، ويوضع العلماء مع الحكماء لأنهم علماء طبيعة أيضا وفيها يتم البحث عن العلل. والحكماء هم العلماء الأخيار أصحاب العلل. ويضم الحكماء علماء الطبيعة والكيمياء. وقد تشبه آيات الحكماء معجزات الأنبياء والحكماء الموسيقيون يربطون الموسيقى بأحكام النجوم وأثرها في النفس، والفن للدين مثل الفلسفة وليس للهو واللعب. والعود أوتار أربعة تشبها بالطبيعة. فالحكماء موسيقيون وأطباء ورياضيون ومناطقة وشعراء.
56
وفي أغلب الأحيان هم الحكماء الإلهيون تخصيصا لهم عن غيرهم بما يميزهم وهو الإشراق أو الإلهيات، والله أحكم الحكماء. وتبدأ الإشراقيات من علم النفس. لذلك تحدث الفلاسفة قبل الوحي عن علم النفس ولكن الوحي الذي فصله. يعرفون عجاب النفس بالنفس وليس بالعقل، وبأسرارها وليس بقدراتها. ويستعمل الحكماء الإشراقيون الرمز، ويضربون المثل بأمور الدنيا، ويريدون بها أمور الآخرة. وهم الدعاة الذين لا تستطيع العامة معارضتهم لإحساسهم بالنقص أمامهم، أقربه إلى دعاة الإسماعيلية وأئمة الشيعة. يعرفون أحكام النجوم للترقي بها إلى أعلى وليس لمعرفة الغيب، ولكنهم أدركوا من خلالها السعادات والنجاسات. لهم أقوال في العشق بين المدح والذم والجهل، فمن الجهل القول بأنه جنون إلهي أو هم النفس أو فراغ الهمة أو مرض إنساني.
صفحة غير معروفة