وأما فضل عمر فغير منكر، وكذلك الزبير وسعد، وليس فيما ذكرنا ما يقتضى كون علي عليه السلام مفضولا لهم أو لغيرهم إلا قوله " وكل هذه الفضائل لم يكن لعلى عليه السلام فيها ناقة ولا جمل " فإن هذا من التعصب البارد والحيف، والفاحش. وقد قدمنا من آثار علي عليه السلام قبل الهجرة وماله إذ ذاك من المناقب والخصائص ما هو أفضل وأعظم وأشرف من جميع ما ذكر لهؤلاء. على أن أرباب السيرة يقولون: إن الشجة التي شجها سعد، وأن السيف الذي سله الزبير هو الذي جلب الحصار في الشعب على النبي صلى الله عليه وآله وبنى هاشم، وهو الذي سير جعفرا وأصحابه إلى الحبشة. وسل السيف في الوقت الذي لم يؤمر المسلمون فيه بسل السيف غير جائز.
قال تعالى: " ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله " فتبين أن التكليف له أوقات، فمنها وقت لا يصلح فيه سل السيف، ومنها وقت يصلح فيه ويجب.
فأما قوله تعالى: " لا يستوى منكم من أنفق " فقد ذكرنا ما عندنا من دعواهم لأبي بكر إنفاق المال. وأيضا فإن الله تعالى لم يذكر إنفاق المال مفردا. وإنما قرن به القتال. ولم يكن أبو بكر صاحب قتال وحرب ، فلا تشمله الآية. وكان علي عليه السلام صاحب قتال وإنفاق قبل الفتح. أما قتاله فمعلوم بالضرورة، وأما إنفاقه فقد كان على حسب حاله وفقره. وهو الذي أطعم الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا. وأنزلت فيه وفى زوجته وابنيه سورة كاملة من القرآن (1)، وهو الذي ملك أربعة دراهم فأخرج منها درهما سرا ودرهما علانية ليلا، ثم أخرج منها في النهار درهما سرا ودرهما علانية، فأنزل فيه قوله تعالى: " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية ".
وهو الذي قدم بين يدي نجواه صدقة دون المسلمين كافة.
وهو الذي تصدق بخاتمه وهو راكع، فأنزل الله فيه: " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ".
صفحة ٣١٩