النكبات: خلاصة تاريخ سورية منذ العهد الأول بعد الطوفان إلى عهد الجمهورية بلبنان
تصانيف
كانت تلك الحروب الدينية أعظم ويلا على البلاد السورية من سواها، وكان الصليبيون أشد ظلما وتوحشا من أولئك الأمراء الآسيويين ذوي الأسماء العجيبة، الذين اجتاحوا باسم الإسلام، بل باسم السنة مرة والشيعة أخرى، هذه الديار التاعسة البائسة المشئومة.
وهاكم واحدا من أتباع شيخ الجبل حسن الصباح الإسماعيلي، وقد استولى على دمشق وشرع يمثل الجحيم - لا الجنة، مثل شيخه الشيخ حسن بألموت - على الأرض.
كثرت قبائح شمس الملوك إسماعيل وقبائح أعماله، وقام بعد ذلك نكاية بأهل السنة، يخون البلاد فيسلمها إلى العدو الإفرنجي، فقتلته أمه لتريح المسلمين من شره وظلمه.
وأولئك الإفرنج، وقد فتحوا القدس، «يكرهون العرب على إلقاء أنفسهم من أعالي البروج والبيوت - الكلام للمؤرخ الإفرنسي ميشو - ويجعلونهم طعما للنار، ويخرجونهم من الأقبية، ويجرونهم في الساحات، ثم يقتلونهم فوق جثث الآدميين. وكانوا في كل بلد يدخلونه يقتلون أهله، ويخربون عمرانه، ويحرقون كتبه ومتاعه وآثاره».
وكان الإفرنج في أنطاكية وغيرها (من بلاد العلويين)، يمالئون الإسماعيليين، وهم كفرة في نظرهم مثل المسلمين، فظاهروهم على أعداء الصليب، كما يظاهرون الفرنسيس اليوم على العرب.
وقد نصر الموارنة كذلك الإفرنج، كما نصروا الرومان على العرب من قبل، وكما نصروا الفرنسيس من بعد.
والغريب العجيب أن يجمع الغرض بين هاتين الأقليتين المارونية والعلوية، وكلتاهما متمسكة بعقيدتها وبأوليائها أشد التمسك، فتسلكان مسلكا واحدا في الماضي وفي الحاضر، وتكونان مع السائدين من الأجانب على أهل البلاد الوطنيين.
لم ينتصر الصليبيون في بادئ أمرهم لمجرد أن الموارنة والعلويين ساعدوهم على المسلمين، بل لأنهم كانوا متحدين، وكان أمراء العرب متنابذين متخاذلين ... وكيف يخضع صاحب آمد لصاحب دمشق، أو صاحب حلب لصاحب الموصل، وكل منهم يظن نفسه ظل الله على الأرض.
قف ها هنا أيها القارئ وفكر قليلا في حاضر هذه الأمة، وفي التفريق المصطنع وغير المصطنع في البلاد ، في هذه البلاد السورية القديمة وليس فيها شيء جديد، بل قل وأنت منها: ما أطغمني وما أذلني إذا كنت لا أنبذ مثل ذاك الماضي، ولا أخرج على مثل هذا الحاضر، فأسعى وأجاهد ليكون في بلادي شيء جديد، شيء شريف، سديد مفيد.
لم تخل الحروب الصليبية من كبير أو كبيرين في كرم الأخلاق، كنور الدين وريكاردوس قلب الأسد وصلاح الدين.
صفحة غير معروفة