اتركي زوجك يشعر بقوة غالبة فيك تنبعث عن نفسك كما تنبعث أشعة الحياة من نور الشمس المشرقة، تعلمي أن تقاومي الشدة باللين، والقساوة بالحنان، والتوحش باللطف، تعودي أن تناهضي الكذب بالصدق، والرياء بحرية الضمير، واعلمي بأن المشترع العظيم لما نادى بهذه الحكمة السامية قائلا: من ضربك على خدك الأيمن فحول له الأيسر، اعلمي بأن ذلك الفادي العارف بخفايا القلب البشري لم يطلب من الإنسان إلا ما يعزز الإنسانية، أراد أن يقاوم الشر بالخير لا أن تداوى الجراح بالجراح والفاسد بأفسد منه.
إذا خانك زوجك فأول ما يخطر على بالك أن تخونيه أيتها الامرأة، وما أنت إذ ذاك إلا خائنة نفسك، أنت منتقمة ولست مصلحة، إذا جار عليك فأول ما يعن على بالك أن تنادي بالويل والثبور؛ فتحاربينه بسلاح الفجور، وكل خطوة يخطوها زوجك نحو الهوة تسبقينه أنت بمثلها إلى قعر الهاوية.
لا تتمردي أيتها العقيلة، لا تقولي إنني ظالم بما أطلب، ارجعي إلى وجدانك واسمعي فهو يناديك بما أخاطبك به الآن.
إذا كان إصلاح الفتاة موكول إلى ضمير أبيها، إذا كانت تربية نساء الغد ملقاة على عاتق رجل اليوم، فإصلاح رجل اليوم لهو من واجب امرأته، الرجل يربي الطفلة ويوحي المكارم إلى قلب الغادة، ولكن حين تصبح الغادة عقيلة فأول واجباتها ترقية عواطف الرجل؛ لأن الرجل أشد التصاقا بالمادة منها، هو يجاهد في ألفة سوريا الضالة، ولهذا فهو أقرب إلى الفساد لبعده عن العاطفة المجردة، إذا وجدت ابنة ضالة فاحكم بضلال أبيها، ولكنني كلما رأيت رجلا فاسدا فأول ما يخطر على أحكامي ضعف في روح زوجته ووهن في عواطفها.
نعم أيتها المرأة أنت مطالبة بإصلاح زوجك، إذا كان الرجل رأس المرأة فالمرأة أعظم من الرأس؛ لأنها روح الرجل التي توحي إليه بالمكارم والانحطاط دورا فدورا ... وروحك إن لم تكن ساقطة إلى آخر أدوار السقوط، فهي دائما أرقى من نفس الرجل؛ لأن أبواب الفساد كثيرة أمامه وأنت لا هاوية إلا هاوية التبرج والولوع بالجمال الزائل أمامك، أنت أقرب منه إلى نفسك؛ لأن الرجل ملاصق في كل يوم للأباطيل يمشي في هذه الحياة مجاهدا في سبيل رزقه والكبرياء وحب التحكم والكذب والسرقة والاحتيال والخداع، كلها تتبعه كجند الويل في معترك تنازع البقاء الذي جعله التمدن أشد وقعا على النفوس من معترك الأسنة والصفاح.
بينما يكون الرجل تائها في مهامه وأعماله، وضغط المادة يلاشي بالتدريج عظمة وجدانه، تكونين أنت أيتها الامرأة راكعة إلى جانب السرير تقوين روحك من لمعات العالم الأعلى الذي يتجلى أمامك مجردا من بين أهداب طفلك الشاخص إلى الحياة بكل مجد النفس وعفافها.
بينما يكون الرجل عاملا بتجارته لاحتكار لقمة الخبر التي ينبتها أخوه من الأرض بعرق جبينه، بينما يكون مدفوعا بقوة الحاجة والتطلب سائرا بالظلم إلى البطر وبحمل الويل إلى الاختلاس والكفر، تكونين أنت أيتها المرأة تعدين بيتك لاستقبال ضنك الرجل وتحويله إلى راحة لاستقبال ظلمه وتحويله إلى حنان وشفقة، لاستقبال كفره وتحويله إلى إيمان بين يديك وعلى شفاه ملائكة البشر وهم الأطفال ...
بينما يكون الرجل سائرا في عرض الفلاة وعلى صفحات البحار يشحذ البتار ويملئ المدافع من سواد قلبه ليطلقها على إخوته مع نار شره، تكونين أنت أيتها المرأة جالسة إلى سرير الجريح ضامدة جراحه بيدك، ولفتات الحنان تسيل من مقلتيك مبرهنة له بانحصار الإنسانية فيك، وأن الله خلقك هيكلا تتجلى به روحه للإنسان حينما يعميه الضلال، أنت إذ ذاك تقولين له: «إذا كانت يد الرجل تضرب، فيد المرأة تعرف أن تشفي، إذا كانت قساوة الرجل تلقي العار على الإنسانية، فحنان المرأة يشتري ذلك العار ويرفعه عنها، إذا كان ضلال الرجل وظلمه يقودان إلى الكفر، فتضحية المرأة وعذوبة روحها يثبتان وجود الله.»
هذه أنت أيتها المرأة فاعرفي من أنت، لقد قيل عنك أيتها المرأة بأنك أفقدت الرجل جنة الخلد منذ البدء، فمن ترى يثبت لنا هذه القصة المحجوبة حقيقتها وراء الأعصار الخالية ... أنا لا أرجع ثمانية آلاف سنة إلى الوراء لأعرف ما هو مقام المرأة إزاء الرجل؛ بل أدير أنظاري إلى ما حولي فأتأكد بأن المرأة هي تلك الحلقة الذهبية التي تربط الرجل بما فوق، وهي إذا فسدت حلقة حديدية تربطه في اللجة، أعلم بأن المرأة كائن تقيده الأرض بالرجل، وروحه تجول قبل الموت في عوالم بعد الموت، أعلم بأن روح الرجل تغشيها كثافة المادة أكثر من روح المرأة، وأنه إذا صعب على الرجل أن يرقي امرأة فاسدة لطبقة نفسه، فليس بالصعب على المرأة الراقية أن ترفع روح الرجل الدنسة إلى طبقة روحها.
كلمة إخلاص حقيقية خارجة من صميم قلب المرأة، ونسمة مجد تهب من روحها تقدر أن تدفع روح الرجل المتأخرة إلى الطبقات العلوية التي سمح للأرواح أن تتسنمها على هذه الأرض.
صفحة غير معروفة