الطاعات مفعول.
سلمناه، لكن متى تكون المعاصي مرتفعة والطاعات واقعة إذا كان الإمام ظاهرا نافذ الحكم؟! وإذا لم يكن كذلك فالأول مسلم والثاني ممنوع.
بيانه: أن انزجار الخلق عن القبائح بسبب الإمام إنما يكون إذا كان متمكنا من زجرهم عن القبائح، وإذا لم يكن قادرا على ذلك لم يحصل الانزجار.
والحاصل: أن الإمام الذي توجبونه لا يفيد مطلوبكم، والذي يفيد مطلوبكم لا توجبونه.
لأنا نجيب عن الأول: أنا ما ادعينا أن كل الخلق يمتنعون بوجوده من كل المعاصي، بل نقول: إن الحازم يجزم بعد تصفح أحوال الخلق أن دواعي أكثرهم إلى الطاعات واجتناب المعاصي موقوف على وجود الإمام، أما في حق تاركي أصل العبادة والمترخصين من أنفسهم فيها بما لا يجوز لهم فعله والإخلال به منها، فظاهر مما بيناه، وأما في حق من كان سالكا للعبادة قائما بها فإن الحركات فيها مقولة بحسب التشكيك أي أنها قابلة للأشد والأضعف، فالعلم الضروري حاصل بأن العبادة ممن كان قائما بها قبل وجود الإمام تكون بوجوده أوفى وأتم لتوفر الدواعي عليها بوجوده، فإذا القدر الزائد على العبادة بعد وجوده كان موقوفا على توفر الدواعي إليه وذلك التوفر موقوف على وجود الإمام، والموقوف على الموقوف على الشئ موقوف.
وعن الثاني من وجهين:
أحدهما: أن الانزجار حاصل بالإمام وإن كان غائبا فإن المكلفين إذا تقرر في عقولهم وجود الإمام وصحة إمامته واعتقدوا أنه لا حال من الأحوال إلا ويجوز ظهوره عليهم ويمكنه من التصرف فيهم بالأخذ بالجرائم، فحينئذ لا حال إلا ويكون المكلف فيه خائفا، فلأجل ذلك يمتنع من القبيح.
صفحة ٤٩