الشهوة بالمريض إلى المكروهات في الحقيقة عرض لها حينئذ من الألم بفقدانه كفء ما يعرض من اللذة التي أوجبنا وجودها ودللنا على عظم منزلتها فيكون ذلك هو الشقاوة والعقوبة التي لا يعادلها تفريق للنار للاتصال وتبديها وتبديل الزمهرير للمزاج. فيكون مثلنا حينئذ مثل المخدر الذي أومأنا إليه فيما سلف أو الذي عمل فيه نار أو زمهرير فمنعت المادة اللابسة وجه الحس من الشعور به فلم يتأذ. ثم عرض أن زال العائق فشعر بالبلاء العظيم. وأما إذا كانت القوة العقلية بلغت من النفس حدا من الكمال يمكنها به إذا فارقت البدن أن تستكمل الاستكمال التام الذي لها أن تبلغه كان مثلها مثل المخدر الذي أذيق المطعم الألذ وعرض للحال الأشهى وكان لا يشعر به فزال عنه الخدر فطالع اللذة العظيمة دفعة وتكون تلك اللذة لا من جنس اللذة الحسية والحيوانية بوجه بل لذة تشاكل الحال الطيبة التي للجواهر الحية المحضة وهي أجل من كل لذة وأشرف - فهذا هو السعادة وتلك هي الشقاوة وليست تلك الشقاوة تكون لكل واحد من الناقصين بل للذين أكسبوا القوة العقلية الشوق إلى كمالها. وذلك عندما تبرهن لهم أن من شأن النفس إدراك ماهية الكمال بكسب المجهول من المعلوم والاستكمال بالفعل فإن ذلك ليس فيها بالطبع الأول ولا أيضا في سائر القوى بل شعور أكثر القوى بكمالاتها إنما يحدث بعد أسباب. وأما النفوس والقوى الساذجة الصرفة فكأنها هيولى موضوعة لم تكتسب البتة هذا الشوق لأن هذا الشوق إنما يحدث حدوثا وينطبع في جوهر النفس إذا تبرهن للقوى النفسانية أن ههنا أمورا يكتسب العلم بها بالحدود الوسطى على ما علمت - وأما قبل ذلك فلا يكون لأن الشوق يتبع رأيا وليس هذا الرأي للنفس أوليا بل رأيا مكتسبا فهؤلاء إذا اكتسبوا هذا الرأي لزم النفس ضرورة هذا الشوق فإذا فارقت ولم يحصل معها ما تبلغ به بعد الانفصال إلى التمام وقعت في هذا النوع من الشقاء الأبدي لأن أوائل الملكة العلمية إنما كانت تكتسب بالبدن لا غير وقد فات. وهؤلاء إما مقصرون عن السعي في كسب الكمال الأنسي وإما معاندون جاحدون متعصبون لآراء فاسدة مضادة للآراء الحقيقية. والجاحدون أسوأ حالا لما كسبوا من هيئات مضادة للكمال. وأما أنه كم ينبغي أن يحصل عند نفس الإنسان من تصور المعقولات حتى تجاوز به الحد الذي في مثله تقع هذه الشقاوة وفي تعديه وجوازه ترجى هذه السعادة فليس يمكنني أن أنص عليه نصا إلا بالتقريب. وأظن أن ذلك أن يتصور الإنسان المبادئ المفارقة تصورا حقيقيا ويصدق بها تصديقا يقينيا لوجودها عنده بالبرهان. ويعرف العلل الغائبة للأمور
صفحة ٢٤٢