149

خيالا مأخوذا من الحس غير مضاف عنده إلى شيء حتى لو لم يكن هو آلته كذلك لم يتخيله. برهان آخر في هذا المبحث وأيضا مما يشهد لنا بهذا ويقنع فيه أن القوى الدراكة بانطباع الصور في الآلات يعرض لها من إدامة العمل أن تكل لأجل أن الآلات تكلها إدامة الحركة وتفسد مزاجها الذي هو جوهرها وطبيعتها والأمور القوية الشاقة الادراك توهنها وربما أفسدتها وحتى لا تدرك بعدها إلا ضعف منها لانغماسها في الانفعال عن الشاق كما في الحس فإن المحسوسات الشاقة المتكررة تضعفه وربما أفسدته كالضوء للبصر والرعد الشديد للسمع وعند إدراك القوى لا يقوى على إدراك الضعيف فإن المبصر ضوء عظيما لا يبصر معه ولا عقيبه نورا ضعيفا والسامع صوتا عظيما لا يسمع معه ولا عقيبه صوتا ضعيفا ومن ذاق الحلاوة الشديدة لا يحس بعدها بالضعيفة والأمر في القوة العقلية بالعكس فإن أدامتها للتعقل وتصورها للأمور الأقوى يكسبها قوة وسهولة قبول لما بعدها مما هو أضعف منها - فإن عرض لها في بعض الأوقات ملال وكلال فذلك لاستعانة العقل بالخيال المستعمل للآلة التي تكل هي فلا تخدم العقل ولو كان لغير هذا لكان يقع دائما وفي أكثر برهان ثالث وأيضا فإن البدن تأخذ أجزاؤه كلها تضعف قواها بعد منتهى النشؤ والوقوف وذلك دون الأربعين أو عند الأربعين وهذه القوة إنما تقوى بعد ذلك في أكثر الأمر ولو كانت من القوى البدنية لكان يجب دائما في كل حال أن تضعف حينئذ لكن ليس يجب ذلك إلا في أحوال وموافاة عوائق دون جميع الأحوال فليست إذا من القوى البدنية.

صفحة ١٤٩