لأنا نقول أن بدن هؤلاء الثلاثة إنما وجب غسله بالتعبد المنصوص عليه وهو خصوص مستثنى من قاعدة كلية فلا تنقض به كما هو معلوم عند الأصولين وأما الإجماع فقد حكاه غير واحد وبيانه أن الصحابة وغيرهم من محقي الأمة ومجتهديهم مطبقون على نجاسة الدم المسفوح ولو قال بذلك أحد منهم لنقل عنه ولا اعتبار بمن شذ عن إجماعهم من مخالفيهم فإنه لا يعتبر في صحة انعقاد الإجماع موافقة لمخالف بالدين على المختار كما صرح به البدر الشماخي رحمه الله، وأيضا فإن هذا القائل بطهارة هذا الدم إنما انفرد به بعد انعقاد الإجماع على نجاسته فلا يعتد بقوله، وكفى في مستند الإجماع ما تقدم من النصوص القرآنية والنبوية.
وأما القياس فلا سبيل للصيرورة إليه مع ورود النص، لكنا نفرض للمسألة صورة نعتبر فيها عدم ورود النص أصلا حتى يصح لنا القياس فيها فنقول: قد ثبتت نجاسة دم الحيض بالكتاب والسنة والإجماع فأما الكتاب فقوله تعالى: { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن } (¬1) إلى آخر الآية فدلت هذه الآية على نجاسة دم الحيض ووجه الدلالة أنه تعالى سم الخروج عنه طهرا والتنظيف منه تطهرا.
¬__________
(¬1) البقرة: 222.
صفحة ٥