إذا لم يكن فكري على قدر مهما يكن ضئيلا من العلم النظري، فكيف يمكن أن يكون له مكان أي مكان في ميدان الوحوش هذا.
إن فؤاد بدأ حياته في السوق صغيرا وعرف الخوافي البعيدة من أسراره، فحين استشرى السوق ودخلته النسور الضارية، كان هو قد أصبح حاد الأظافر مثلهم، يجرح إن جرحوا ويهادن إن هادنوا.
وقد أدرك في ذكاء واع أنه لو ترك تجارته التي تعلمها منذ شبابه الباكر أصبح أعمى وسط مبصرين لئام، فأصر أن يبقى في تجارته لا يتركها إلى أي نوع آخر من التجارة.
ولكنه يعلم علم يقين أنه إن كان قد ازداد مع الأيام خبرة في التجارة ومراسا بالسوق، إلا أن هذه الأيام نفسها قد جعلته شيخا لا تهب له من الصحة ما كنت تهب ولا من النشاط ما تعود أن يجده، وقد كان يريد من ابنه أن يعينه على سنه وصحته، وإذا ابنه يزيد سنه ثقلا وصحته وهنا، وإذا الرعدة لا تتولاه إلا حين يذكر ولده، وقد حاول بالعنف فأخفق وباللين فازداد إخفاقا، فقال لنفسه اعمل وما عند الله يكون، وعمل، وإذا بالسوق ينقلب من هذا الميدان الذي مرن عليه وعرف دروبه ومنحنياته، وكل مرفق من مرافقه أو ثنية من طرقاته، إلى ميدان آخر قاتل سفاك لا يبقي ولا يذر، وإذا الأثمان تشتعل فهي حريق ما تسامع الناس بمثله، ولا تصور أحد أنه سيسمع بمثله أبدا، وكما تصبح السوق فاجرة متوحشة يصبح الغني فاجرا متوحشا.
ولا يتخلف فؤاد وما تخلف سويلم عن هذا الغنى، ولكن كليهما أدرك في ذكاء أنهما إذا تخطيا عتبة ميدان الأقمشة الذي يعرفانه أصبح كلاهما عدما، والربح كما يكون بالملايين تصبح الخسارة بالملايين أيضا.
قال فؤاد لابنه فكري: مرحبا بك في دكان أبيك وأجدادك. - ماذا تقصد؟ - أقصد أننا عائلة ربنا خلقنا للتجارة وليس لنا مهنة غيرها. - ولكن الجيل اختلف يا بابا.
وتدخلت وهيبة: يمكن أن يختلف الجيل ولا نختلف نحن، واضح أن ليس لك أي ميل للتعليم يا فكري. - يا نينا أنا حصلت على الثانوية العامة وفي الجامعة الأمر يختلف. - المسألة ليست مسألة ثانوية عامة وجامعة يا فكري، المسألة أهم من هذا بكثير أنت لا تحب القراءة. - كل زملائي لا يحبون القراءة. - إذن فلمن يكتب الكتاب يا ابني؟
وقال فؤاد: يا ابني نحن عائلة تجار. - أتكون أمي من حملة الليسانس و...
قاطعته وهيبة: المسألة استعداد يا فكري. - نجرب يا نينا. - نجرب.
وأسرع فؤاد متدخلا: نجرب ماذا يا وهيبة؟ - انتظر يا فؤاد، ماذا تريد أن تجرب يا فكري؟ - أدخل الجامعة. - أي كلية تريد؟
صفحة غير معروفة