المطلب الرابع في استلزام الأمر والنهي الإرادة والكراهة
كل عاقل يريد من غيره شيئا على سبيل الجزم فإنه يأمر به فإذا كره الفعل فإنه ينهى عنه وإن الأمر والنهي دليلان على الإرادة والكراهة. وخالفت الأشاعرة جميع العقلاء في ذلك وقالوا إن الله تعالى يأمر دائما بما لا يريده بل بما يكرهه وإنما ينهى عن ما لا يكرهه بل عما يريده. (1) وكل عاقل ينسب من يفعل هذا إلى السفه والجهل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
المطلب الخامس في أن كلامه تعالى صدق
اعلم أن الحكم يكون كلام الله تعالى صادقا لا يجوز عليه الكذب إنما يتم على قواعد العدلية الذين أحالوا صدور القبيح عنه تعالى من حيث الحكمة ولا يتمشى على مذهب الأشعرية لوجهين الأول أنهم أسندوا جميع القبائح إليه تعالى وقالوا لا مؤثر في الوجود من القبائح بأسرها وغيرها إلا الله تعالى (2) ومن يفعل أنواع الشرك والظلم والجور والعدوان وأنواع المعاصي والقبائح المنسوبة إلى البشر كيف يمتنع أن يكذب في كلامه وكيف يقدر الباحث على إثبات كونه صادقا الثاني أن الكلام النفساني عندهم مغاير للحروف والأصوات ولا
(1) كما ذكره وأوضحه الفضل في المقام، وليراجع أيضا: شرح العقائد للتفتازاني ص 87، والملل والنحل ج 1 ص 96.
(2) الابانة في أصول الديانة لأبي الحسن الأشعري، والملل والنحل ج 1 ص 96.
صفحة ٦٣