202

وبعد ، فقد كان يجب أن يعارضوا على كل حال وإن خافوا التباس ذلك ؛ لأنهم كانوا عند من لا يشتبه ذلك عليه وهم الأكثر معذورين خارجين ، فما دعوا إليه ؛ فإن العاقل لا يختار ما معه عند جميع العقلاء مغلوبا محجوجا لخوفه من أن يشتبه ما يأتي به على بعضهم ، فكأنهم خافوا ظن العجز من بعض الناس ففعلوا ما يوجب العلم بعجزهم عند جميع الناس.

على أنه لو اعتذر عاقل تحدى بفعل فلم يأت به بمثل هذا العذر لكان عند جميع العقلاء ملوما.

والجواب عن خامسها : أن المثل الذي دعوا إليه لا يجوز أن يشتبه عليهم المراد به ، وقد جرت عادتهم أن يتحدى بعضهم بعضا ، ولو اشتبه ذلك عليهم لاستفهموه مع تطاول الأيام.

وبعد ؛ فإن القرآن إذا لم يكن دالا على النبوة فليس بمتعذر مماثلته ومعارضته من جميع الوجوه ، فألا فعلوا ذلك ما يقدرون عليه.

والجواب عن سادسها : أن هذه الشبهة لا يصح أن يسأل عنها من ذهب إلى أن الله تعالى صرف عن المعارضة ، وأن التحدي على التحقيق إنما هو بالصرفه ، وإنما سأل عنها من ذهب إلى أن العادة انحرفت بفصاحة القرآن.

فإذا قيل : إنما عولوا في أنهم غير مصروفين عن المعارضة ، على ما تقدم من كلامهم الفصيح في شعر وغيره.

قلنا : لا معول على ذلك ؛ لأن التحدي وقع بأن الله تعالى يصرفهم مستقبلا عن المعارضة ، فلو كان موجودا في كلامهم الموجود المتقدم ما يماثله في الفصاحة لكان مؤكدا لحجته لصرفهم عما هو ممكن مقدور ، كما لو ادعى أن دليل نبوته امتناع حركتهم في وقت مخصوص لم يكن فيما تقدم من حركاتهم حجة في دفع.

وبعد ؛ فإن العقلاء إنما يعرضون عن معارضته من تحداهم بأمر للوجه الذي ادعوه إذا كانت الشبهات مرتفعة والأمر ظاهر غير ملتبس ، وأمنوا من أن يعقب

صفحة ٣٢٠