والديانات والرياسات التي ألفوها ونشأوا عليها ، والاستبدال بذلك كله ما لم يعرفوه ولم يألفوه بالإظهار لما يتم أغراضهم. وكيف لم ينقل المعارضة لو كانت فقد نقلوا كلام مسيلمة مع ركاكته وبعده عن الشبهة ، فكيف لا ينقل ما فيه حجة أو شبهة قوية؟
وليس لأحد أن يدعي : أن الدواعي وان توفرت إلى نقل المعارضة فهناك موانع من نقلها ، وهو الخوف من أنصار النبي صلى الله عليه وآلهوسلم ومتبعي شرعه وهم كثيرون مهيبون يخاف من مثلهم ؛ وذلك أن الخوف لا يقتضي انقطاع النقل على كل وجه ، وإنما يمنع من المظاهرة ، ولهذا لم ينقطع نقل فضائل أمير المؤمنين عليه السلام بالخوف من بني أمية ، بل منع الخوف من التظاهر بها ، فكان يجب أن ينقل أعداء الإسلام المعارضة لو كانت مكتوما فيما بينهم.
وأيضا فإن الكثرة في الإسلام كانت بعد الهجرة ، فكان يجب نقل المعارضة قبل ذلك في مدة مقامه صلى الله عليه وآلهوسلم بمكة ، وإذا نقلت وانتشرت في الآفاق لم يكن قوة الإسلام من بعد ذلك موجبة لاندفانها وخفائها.
اللهم إلا أن يقال : إن المعارضة لم تقع في تلك المدة ، وإنما وقعت بعد الهجرة ، وفي ارتفاع المعارضة طول المقام بمكة وهو ثلاث عشرة سنة كفاية في إعجاز القرآن ، وقيام الحجة به ، وثبوت خرق العادة فيه ، أو بما ينقل به.
وأيضا ، فإن قوة الإسلام وان افتتحت بالمدينة ، فقد كانت في تلك الأحوال لأهل الشرك والكفر ممالك واسعة وبلاد عريضة ، والغالب على أكثر البلاد ومعظمها في تلك الأحوال الكفار ، ومملكة الفرس كانت ثابتة لم تزل ، وكذلك ممالك الروم وإلى هذه الغاية ما خلا العالم من بلاد واسعة الكفر ، فكان يجب ظهور المعارضة في هذه البلاد وفي علمنا ، ففقد ذلك دليل على وجوب القطع على أن المعارضة لمن تكن.
وأيضا ، فإن الخوف في الإسلام لو منع من نقل المعارضة لمنع من نقل السب والهجاء والافتراء ، وقد علمنا أن كل ذلك قد نقل ولم يمنع مانع منه.
صفحة ٣١٥