191

مكروههم ؛ وهو ضرب من العقاب الذي يستحقونه بأفعالهم القبيحة ؛ لأن من طمع في النجاة والخلاص من المكروه ، واشتد حرصه على ذلك ؛ ثم حيل بينه وبين الفرج ورد إلى المكروه يكون عذابه أصعب وأغلظ من عذاب من لا طريق للطمع عليه.

فإن قيل : فعلى هذا الجواب ، ما الفعل الذي هو الاستهزاء؟.

قلنا : في ترداده لهم من باب إلى آخر على سبيل التعذيب معنى الاستهزاء ؛ من حيث كان إظهارا لما المراد بخلافه ؛ وإن لم يكن فيه من معنى الاستهزاء ما يقتضي قبحه من اللهو واللعب وما جرى مجرى ذلك.

والجواب السابع : أن يكون ما وقع منه تعالى ليس باستهزاء على الحقيقة ؛ لكنه سماه بذلك ليزدوج اللفظ ويخف على اللسان ؛ وللعرب في ذلك عادة معروفة في كلامها ؛ والشواهد عليه مذكورة مشهورة.

وهذه الوجوه التي ذكرناها في الآية يمكن أن تذكر في قوله تعالى : ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) (1)؛ وفى قوله تعالى : ( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم ) (2) فليتأمل ذلك.

فأما قوله تعالى : ( ويمدهم في طغيانهم يعمهون ) فيحتمل وجهين :

أحدهما : أن يريد : أنى أملي لهم ليؤمنوا ويطيعوا ؛ وهم مع ذلك مستمسكون بطغيانهم وعمههم.

والوجه الآخر : أن يريد ب «ويمدهم» أنه يتركهم من فوائده ومنحه التي يؤتيها المؤمنين ثوابا لهم ، ويمنعها من الكافرين عقابا كشرحه لصدورهم ، وتنويره لقلوبهم ؛ وكل هذا واضح بحمد الله (3).

( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ) (17) [البقرة : 17].

صفحة ٣٠٩