142

الإجماع إذا كان هو إجماع جميع الأمة ، وفيهم من ينفي القياس والاجتهاد ، فلا سبيل إلى أن يكونوا مجمعين ، وهذه حالتهم على حكم واحد من طريق الاجتهاد.

واعتلال المخالفين في هذا الموضع بقولهم : «إن نفاة القياس قد تناقض ، وتستعمل القياس وهي لا تشعر» تعلل منهم بالباطل ؛ لأن هذا إن جاز ، فإنما يجوز على الواحد والاثنين ، ولا يجوز على الجماعة التي تحصل ، وتفطن ، وتشقق الشعر في التدقيق والتحقيق ، وهذا رمى منهم للقوم بالغفلة ، وقلة الفطنة.

وتعللهم أيضا بأن الخلاف في خبر الواحد كالخلاف في القياس ، وقد يجمعون لأجله ، باطل أيضا ؛ لأنا لا نجيز على من يخالف في خبر الواحد أن يجمع على حكم من الأحكام لأجله في موضع من المواضع ، فالمسألتان واحدة.

فأما العموم ، وإن وقع خلاف في أن وضع اللغة يقتضي الاستغراق ؛ فلا خلاف في أن العرف الشرعي يقتضيه ، ومن ارتكب أنه لا عرف في العموم لغوي ولا شرعي لا يصح أن يستدل بظاهر العموم ، بل بقرينة ودلالة.

فأما تعلق من أبى الإجماع على الحكم من طريق الاجتهاد بأن الإجماع مقطوع به ، وما طريقه الاجتهاد لا يقطع عليه فليس بشيء ؛ لأنه غير ممتنع أن يصير على بعض الوجوه ما ليس بمقطوع به مقطوعا عليه ، ويتغير الحال فيه ؛ لأن الحاكم إذا حكم بما طريقه الاجتهاد ، اقتضى حكمه القطع ، وإن كان الأصل الذي هو الاجتهاد ليس بمقطوع به.

فأما ادعاؤهم في أحكام كثيرة أنهم أجمعوا عليها من طريق الاجتهاد ، كإجماعهم على قتال أهل الردة بعد الاختلاف ، وأن الاتفاق لا وجه له إلا الاجتهاد ، وكذلك الاتفاق على إمامة أبي بكر بعد الاختلاف ، وطريقها الاجتهاد ؛ فليس بمرضي ، ومن أين لهم أن الاتفاق على قتال أهل الردة لم يكن إلا عن اجتهاد ، وله وجه في نصوص القرآن قد تعلق بها؟!. وأما إمامة أبي

صفحة ٢٦٠