ولما دار هذا القول، وهدر القوم هدر الشول.
كتب السيد أحمد بن النقيب يداعب البديعي بهذه الأبيات، المخصوصة هنا بالإثبات. وهي قوله:
مولايَ يوسفُ إن يقولوا سارِقٌ ... للشِّعر فاحذر أن تضيق وتضجَرا
هذا نبيُّ الله يوسفُ قيل قد ... سرق الصُّواعَ وكان قولًا مُفترَى
لك من فرائدِكَ الشَّواردِ شاهدٌ ... عدلٌ يردُّ الخصمَ عنك محيَّرا
فإذا تناشدها العداةُ وأبصَروا ... من حسنِها ما لم يكنْ متستِّرا
ذَهلوا عن الأيدِي ولكن قطَّعوا ... أكبادَهُنَّ تلَهُّفًا وتحسُّرا
وللبديعي يودع ابن الحسام، حين فارق الشام، بعد انفصاله عن قضائها، وتوجه إلى مركز عِزَّه، ويعتذر إليه عن تخلُّفه عنه:
أُحاشيهِ عن ذِكرى حديث وداعِه ... وأُكبِرُه عن بثِّه وسماعهِ
وما كان صبري عند وَشْك النَّوى على ال ... جوى غير صبرِ الموتِ عند نزاعِهِ
ونحنُ بأُفقِ الشَّامِ في خدمةِ الذي ... يضيقُ الفضا عن صدرهِ واتِّساعهِ
أجَلُّ حماة الدِّنِ وابنُ حسامهِ ... وحامي حِمى أركانِهِ وقطاعِهِ
عشِيَّة توديع المآثرِ والعُلى ... وكلُّ فخارٍ للورَى في رِباعِهِ
وما سرتُ عن وادي دِمشقَ ولم يسرْ ... وسُؤدُدُه في مُدْنِهِ وضياعِهِ
سوى أنَّني لا أرتضِي أن أرى بهِ ... سواهُ على أعيانهِ ورِعاعهِ
فأيُّ فؤادٍ بعد يومَ رحيلهِ ... غدا سالمًا من وجدِه وانصداعِهِ
قيا أيُّها السَّارِي عن الشَّامِ بعدَما ... ثوى عدلُهُ في قاعهِ وبقاعهِ
ويا قادمًا بل راحلًا عن بلادِنا ... وفي كلِّ أرضٍ نيِّرٌ من شعاعِهِ
فلا تنسَ عبدًا نازِحًا شاع ذِكرُه ... إلى بابِكَ السَّامي علا بانْقطاعِهِ
ومن كانَ للأُسْدِ الضَّواري انتماؤُه ... له غُنْيةُ في دهرِه عن ضياعِهِ
وأنت الذي نوَّهتُ من قبلُ باسمِه ... وأبقيْتُ ذِكرًا خالدًا باصطِناعِهِ
وله من قصيدة، يمدح بها النَّجم الحلفاوي، مطلعها:
أتى زائرًا وهْنًا ولم يخشَ عاذِلًا ... ونورُ ذُكاءِ الأُفقِ سار مراحِلا
وجادَ بما لو رُمْته من خالهِ ... لكانَ لما أوْلى من الوصلِ باخِلا
حبيبٌ لو أنَّ البدرَ أصبحَ حائزًا ... ضِياءَ مُحيَّاهُ لما زال كامِلا
رشيقٌ كخطوط الخيزرانِ ما انثنَى ... وما مالَ إلا وانثنَى القلبُ مائِلا
يحرِّك بالأعطافِ أجنحةَ الهوى ... إذا حَرَّكَتْ من فوقهِنَّ الغلائِلا
فبِتُّ أعاطيهِ سلافَ مُدامةٍ ... ترُدُّ الدَّياجي من سناهُ أصائِلا
إذا بزَغتْ من راحتيهِ بدا من السَّ ... رورِ لنا ما كان مِن قبلُ آفِلا
إلى أن نضَا ثوبَ الشَّبابِ الدُّجى وقد ... غدتْ زُهرُه إلا قليلًا أوافِلا
وذو الرَّعثاتِ الحمرِ هبَّ كأنَّما ... عليه ضِياءٌ شامَ مَناضِلا
الرَّعثات: جمع رعثة، ورعثة الدِّيك عثْنونُه.
قال الشاعر:
من صوتِ ذي رَعَثاتٍ ساكِن الدارِ
فكبَّر مولاهُ وهلَّلَ إذ رأى ... هزيعَ الدُّجى الزِّنجيِّ أدْبر راحِلا
وقام بجيشٍ من ذويه كأنَّه ... وإياهم كِسرى يحثُّ القبائِلا
على قضُبِ العقيانِ يمشي مجلببًا ... جلابيبَ مثل الروضِ ما زالَ حافِلا
فسرْنا إلى نادٍ رحيبٍ سماؤهُ ... تريكَ بدورًا مشرقاتٍ كوامِلا
إلى منزلٍ للأُنسِ فيهِ منازلٌ ... بهنَّ غدا حسنًا يفوقُ المنازِلا
حكى دنِفًا أحشاؤُه قد تضرَّمتْ ... بنارِ الأسى لو كان يشكو البلابِلا
1 / 57