وعلى هذا فيكون المراد من الآية هو : إن الذين يعرضون عن ذكر الله فنقيض ونسلط الشيطان عليهم (1).
إن «نقيض» من مادة «قيض» وتعني قشر البيض ثم استعملت بمعنى الاستيلاء ، واستعمال هذه المفردة في الآية أمر مثير ، حيث يكشف عن أن الشيطان عندما ينقض على الإنسان يحيط به من جميع الجهات ، ويقطع اتصاله بالخارج بالكامل كما تفعل قشرة البيض بالبيض ، وهذا أسوء أنواع حجب المعرفة التي يبتلى بها الإنسان ، كما أن هناك مثلا عند العرب يقرب معنى الآية للأذهان «استيلاء القيض على البيض».
والأسوء من هذا هو أن احاطة الشيطان بالإنسان واستيلاءه عليه ومقارنته له تستمر إلى درجة تجعله يفتخر بضلالته ويحسب أن طريقه هو طريق الحق والهداية ( ويحسبون أنهم مهتدون ).
* *
وقد تحدثت الآية الخامسة عن شياطين الانس والجن الذين نصبوا العداء للأنبياء والذين أعدوا أنفسهم لابطال فاعلية تعليم الأنبياء ، ويوحي بعضهم إلى بعض أقاويل مزخرفة باطلة لا أساس لها من الصحة ، كما يعلم بعضهم البعض طرق المكر والخداع ، وذلك لاغفال الناس وكتم الحقائق وجعل الحجب عليها ، وإبعاد الناس عن تعاليم الأنبياء.
وينبغي ذكر هذه النقطة هنا وهي : إن العدو ذكر بصيغة المفرد ، بينما الشياطين بصيغة الجمع ، وهذا قد يكون من حيث إن الشياطين متحدون ومتفقون في سبيل إغفال الناس وخداعهم وكأنهم عدو واحد.
ويقول البعض : إن «عدو» هنا بمعنى أعداء أي بمعنى الجمع (2).
صفحة ٣٣١