مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى، وآلة الطاهرين وبعد (1).
صفحة ٤٥
فيقول الفقير إلى الله الغني إبراهيم بن عبد الله بن إسماعيل الحوثي الحسيني كنت قد جعلت مؤلفا، يشتمل على ترجمة شيخنا، العلامة، شيخ الإسلام خاتمة المحققين، وجيه الدين عبد القادر بن أحمد بن عبد القادر(1) رضي الله عنه، ويشتمل أيضا على أسانيده، في الأمهات الحديثية، والمسانيد وسائر كتب الفنون، وترجمت لجميع مشايخه، ومشايخهم المذكورين في الأسانيد إلى المؤلفين وترجمت أيضا لمن أخذ عنه أو كاتبة، واستطردت ذكر جملة من الأعيان الذين لم يكونوا من مشايخه، ولا من تلاميذه، ولا ممن كاتبه، وسميته: ب(قرة النواظر بترجمة شيخ الإسلام عبد القادر)(2) ولكني رأيت من استطردت فيه من الأعيان الأمثال لم يكن ترتيبهم سهل المأخذ ولا قريب المنال؛ لأن استطراد الذكر، إنما كان على حسب الداعي إليه، ومقتضى الباعث عليه، ورأيت إلى أعيان لم يذكروا فيهمع أنهم ممن تزين بنشر فضائلهم الدفاتر، وتقر بحميد أوصافهم النواظر، فخطر في بالي أن أقصر الدائرة فيه على المقصود من وضعة وهو ذكر جميع أسانيده، ثم تراجم جميع الرجال المذكورين في طريق السند فأذكر ترجمة شيخنا، وتراجم مشايخه، وشيوخهم، وهلم جرا (3)
صفحة ٤٦
وأرتبهم [أب-ج] على طبقاتهم، وأذكر أيضا من أخذ عنة من شيوخنا،وغيرهم استكمالا للفائدة. ثم أردت أن أجمع في(1) تأليف أخر من كنت قد استطردتة أولا، ومن بقي ممن لم استطرده، فأقعدني عجزي عن ذلك، وقصور باعي عن معرفة جميع أولئك مع قلة البضاعة في هذا الشأن، وعدم عناية أهل [1-ب] العصر بنقل أخبار الأعيان، وعدم ميلهم إلى التفتيش عن أحوال أبناء الزمان، ولاسيما مع تباعد الأقطار، وانقطاع الأخبار.
[منهج المؤلف]
ثم ترجح (2) لي أن أجعل ما أردت جمعة على وضع ممكن وهو أني أترجم لجميع من في القطر اليمني، من العلماء، والشعراء، ونبلاء الرؤساء الذين ولدوا أو ماتوا في القرن الثاني عشر، وذلك من سنة إحدى ومائة وألف، إلى سنة مائتين وألف(3) .
وأذكر أيضا كل من هو على هذا الشرط ممن ترجمت له في (قرة النواظر) فأستفرغت الوسع في التفتيش بقدر الإمكان، والتزمت أن لا أذكر من الأحوال ألا ما هو الصحيح المطابق للواقع، وأن أتحرى فيه الصدق.
صفحة ٤٧
واستثبت في النقلوأستوفي حال الشخص بحسب ما بلغ إليه علمي، وانتهى إليه فهمي، وأن أترك تكلف التسجيع(1) الذي التزمه المتأخر ون من المؤرخين، كالأديب الحيمي (2) في (طيب السمر) والفاضل الجرموزي(3) في (صفوة العاصر) والمولى ضياء الدين(4) في (نسمة السحر) وغيرهم فأنها لا تفيد عباراتهم تشخيص الرجل، ولا معرفة أحواله، ولا الإطلاع على كنه(5) حقيقته [3ب-ب] وإنما تفيد تخييلا في النفس، وتأثيرها بقبض أو بسط على نمط القياسات الشعرية والقضايا التخييلية (6) والمقصود من وضع
صفحة ٤٨
هذا الكتاب هو ذكر أحوال الرجل، وتشخيصه لما له من الفضائل، والإشارة إلى ما اتفق له من الأخبار، والاستطراد لماله من الأشعار، وتاريخ المواليد، وبعض الوفيات، والتزام السجع مع قصد جميع ذلك. يؤدي إلى التكلف والإتيان بما يمجه السمع وينبوا عنة الطبع وقد استطرد(1) فيه تراجم من قرب زمانه من المشاهير، كأن يكون في أخر القرن الحادي عشر لدعا الحاجة إلى ذلك. ولتشوق المطالع إلى معرفتهم. وسميته: (نفحات العنبر بفضل علماء اليمن في القرن الثاني عشر)(2) ورتبته على حروف المعجم، ليقرب تناوله وإن لم استوف الحروف كلها[2-أ] لعدم وجود من يكون اسمه موافقا للحرف أو لعدم الاطلاع عليه، ولم احتفل بترتيب الأباء كما يضعه كثير من المؤرخين لا دائة إلى تفويت نظم الترتيب؛ بتقديم المفضول على الفاضل، واعتبار ضم الشكل إلى شكله والشبيه إلى مشابهه أمر لازم كما: قال أبو العلا:(3)
فرتب النظم ترتيب الحلي على
الشخص الحلي بلا طيش ولا خرق
الحجل للرجل والتاج المنيف لما
صفحة ٤٩
فوق الحجاج وعقد الدر للعنق
والتزمت أن أقدم في الحرف تراجم اهل البيت عليهم السلام على الترتيب المذكور، ثم من بعد هم كذلك، وليعلم الواقف على هذا أني لم أوجه الخاطر إليه بالكلية، ولا اعتنيت بشأنه العناية التامة،[و] إنما جعلته في أوقات مختطفة، وسويعات مختلسة، وفرص منتهزة، لاشتغالي بما هو أعم من ذلك، وهو تحصيل العلم النافع، الموصل إلى درك السعادة الأبدية، والعكوف على الدرس والتدريس، والالتقاط من جواهر المعارف لكل نفيس، ولم اجعل هذا إلا ترويحا لأوقاتي، وتنشيطا لساعاتي، فمن وجد فيه عيبا فقد أوضحت له عذري، وأطلعته على خبري، وخبري ولو أنى استفرغت فيه الوسع وبلغت في تهذيبه الجهد، ما خلا من الغلط، ولا سلم من اللغط، لصدوره ممن ليست له عصمة ولا يتنزه عن الوصمة، فسبحان من لا يسلم من الباطل إلا كتابه، ولا يتنزه عن السهو والنسيان إلا جنابه، وهو حسبي وكفى ونعم الوكيل[3-أ].
حرف الألف
[(1) إبراهيم بن عبد القادر بن أحمد الكوكباني] (1)
(1169-1223ه/1756- 1808 م)
[اسمه ونسبه]
صفحة ٥٠
شيخنا المولى العلامة شيخ الإسلام أبو إسماعيل برهان الدين، إبراهيم بن شيخ الإسلام الحافظ الحجة وجيه الدين: عبد القادر بن أحمد بن المولى أحمد بن الأمير الرئيس عبد القادر بن الأمير الشهير الناصر بن الأمير المعظم عبد الرب بن الأمير جمال الدين: علي بن الأمير المؤيد بالله شمس الدين بن الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين بن شمس الدين بن الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى بن أحمد المرتضى بن المفضل بن منصور بن المفضل بن الحجاج بن علي بن يحيى بن القاسم بن الإمام الداعي إلى الله يوسف بن الإمام المنصور بالله يحيى بن الإمام [4أ-ب]الناصر أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن الإمام القاسم بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل الديباج بن الإمام إبراهيم الشبه بن الإمام الحسن المثنى بن الإمام الحسن السبط بن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليهم السلام.
[نعته ومكانته العلمية]
صفحة ٥١
هو المولى علم الأئمة الأعلام، وسيد علماء الإسلام، خاتمة المحققين، وإمام الحفاظ والمحدثين، علامة البشر، والمجدد لدين الأمة في القرن الثالث عشر، مجتهد الزمان على الإطلاق، وحجة الله في أرضه على أهل الآفاق، سلطان العلوم العقلية والنقلية، وملك المعارف الفرعية والأصلية، الحائز لجميع الفضائل، والجامع لما تفرق من الكمال بين الأواخر والأوائل، زينة الدهر، وفخر العصر، أجمع على (فضائله) المخالف والموافق، واعترف بحقه أهل المغارب والمشارق، فما عسى أن يقول فيه الواصف ولوا ستعمل كل مجاز وحقيقة أو يستكمل جميع صفاته الحميدة ولو تفنن بأنواع العبارات وأتى بكل طريقة، فهو أكبر من أن تفي الأقوال بفضائله وكمالاته، وأعظم من أن يستقصى جميع أحواله، وسماته، نسب تردد بين نبي، وإمام، ورئيس، وعالم، وحسب، يخضع لجلالته جميع العوالم، وشرف ينطح النجوم، وعز يقلقل الأجيال، وكرم يفضح الغيث السجوم (1)وعزم يروع الأشبال(2)، وعلم يخجل البحار، وخلق يفوق نسيم الأسحار إلى ذات مقدسة، ونفس على التقوى مؤسسة، وصفات شريفة، وسمات لطيفه، وعفاف وورع، وزهادة، وفخامة، ورئاسة، وسيادة، وقيام بما يجب عليه، وعبادة، وإخبات(3)، ووقار، وخشوع، وتواضع، وسكينة، وخضوع، به أحيى الله [3ب-ج] العلوم بعد مماتها، وجمع فيه الفضائل بعد شتاتها، وطالما سمعت شيخ الإسلام الوجيه يقول: (إن ولدي إبراهيم أعلم مني وإنه قد بلغ في العلم والتحقيق مبلغا ما بلغته [4-أ]أنا ولا أحد من شيوخي، ولا من عرفت من رفقائي، وتلاميذي). انتهى كلامه.
صفحة ٥٢
وقد أقر له أهل عصره ببلوغه في العلم أعلى الدرجات، وحيازته لقصب السبق (في) ميدان الكمالات، وشهدوا بفضائله، واعترفوا بفواضله ورجعوا في المشكلات إليه، وعولوا في جميع المهمات عليه، واقتبسوا من أنواره، واغترفوا من تيار بحاره، واعتمدوا أقواله، واقتفوا أفعاله، وعملوا بما يصح عنده (1) في الفتاوي من الاجتهاد، وصار كلامه هو الذي عليه الاعتماد، وتناقلوا رسائله،وعلقوا [على] أنظاره، ومسائله.
[مولده ونشأته ومشايئخه]
وكان مولده في سحر ليلة ثامن عشر شهر رمضان سنة تسعه وستين ومائة وألف (2) ب(صنعاء)، ثم أنتقل مع أهله إلى والده ب(كوكبان)(3)
صفحة ٥٣
وهو ابن سنة. فنشأ في حجر والده، وقرأ القرآن العظيم وحفظه غيبا وتجويدا، وحفظ المتون المتعلقة بعلوم القراءة والآداب، وقرأها على الفقيه العلامة الورع الزاهد يحي بن صالح بن محمد المعروف بالبصير ثم أخذ في قراءة مختصرات النحو، فحفظ الأجرومية ومتتممتها لابن الخطاب(1)، والملحة (2) ومنظومة بن الهايم(3) في قواعد الإعراب، وقرأ على والده شيخ الإسلام الوجيه شروح هذه المختصرات، كشرح الأجرومية للأزهري(4) والفواكه الجنية شرح المتممة للفاكهي (5) وشرح الملحة لبحرق والفاكهي(6)
صفحة ٥٤
، وشرح نظم القواعد لابن الهايم، ثم حفظ السلم المنورق في المنطق (1) والرحبية في الفرائض (2) ولامية [4أ-ج] الأفعال لابن مالك في التصريف وقرأ شروحها على والده قلت: وجميع قراءاته التي سنذكرها إنما كانت على والده، فإنه لم يتخرج إلا عليه، ولم يأخذ إلا عنه، واعتنى به والده عناية عظيمة، ورتب له القراءات، وأختار له المتون، واستفرغ وسعه في تدريسه حتى صار بدرا يستضيء بنوره الحيران، وبحرا يغترف من علومه اللهفان، ثم ترقى صاحب الترجمة إلى مطولات[5-أ]المتون، فحفظ (الكافية) (3) لابن الحاجب وقرأ شرحها للجامي(4) وحواشيه لعصام الدين(5)، وعبد الغفور(6) ، ووجيه الدين(7) ، وعيسى صفوي(8) وكان يملي حال القراءة شرح الرضي(9) وغاية التحقيق(10) وحاشية الهندي(11)
صفحة ٥٥
كما رأيت ذلك بخط والده في أخر نسخة لا[ الجامي(1) جامي وكتب والده شيخ الإسلام حال القراءة حاشية نفيسة على الجامي وعلى حاشية عصام الدين(2) ، تفتح منهما الأقفال وتحل الإشكال.
[بحث حول ترتيب قراءة بعض كتب اللغة]
وكان والده شيخ الإسلام يقول: (إنه لا ينبغي قراءة (شرح الجامي) إلا مع قراءة (شرح الرضي)، و(غاية التحقيق) ((التي هي كالشرح (لحاشية الهندي) ))(3) وذلك أن (الجامي) بنى كتابه على رد اعتراضات (الرضي)، و(الهندي)، وتقويم عبارات الشيخ ابن الحاجب، والإشارة إلى قواعد متقررة، وبعبارة لا يفهم منها الرد إلا الماهر الخريت(4)، فإذا روجع ذلك الشرحين، اتضح مراد (الجامي) وظهرت إشاراته النفيسة، ومع ذلك فإن كل (واحد) يأخذ منه بقدر فهمه، فيقرؤه المبتدئ والمنتهي، ويظهر لكل أحد منه ما لا يظهر للآخر، فتراه في الإبتداء واضح العبارة، فإذا أعطى حق النظر ظهرت دقة العبارة كقوله مثلا: عند قول ابن الحاجب (ويجوز صرفه) أي لا يمتنع، فأشار بهذه إلى أن تلك العبارة ممكنة عامة ليشمل الصرف -الوجوب، والجواز، ولم يسلب الضرورة عن الجانب المخالف كأن يقول: أي عدم الصرف غير ضروري، بل سلب الامتناع من الجانب الموافق للتنبيه على جواز الأمرين في الممكنة العامة كما [4ب-ج] نبه عليه الشريف في (حاشية القطب)(5)
صفحة ٥٦
ولم يكن بهذه المثابة بأن يكون ظاهرا في بادئ الرأي، وغلقا عند النظر إلا (الكشاف) (1) كما سمعت ذلك من شيخ الإسلام البرهان(2)، ورأيته عند قراءتي عليه فيه؛ ولهذا أنتفع به كثير من الناس لأخذ كل أحد منه بقدر استعداده، وإنما تظهر دقة العبارة عند مراجعة حواشيه، كالسراج والسعد والطيبي(3) [6-أ] ومما نظمه المولى الوجيه رحمه الله حال قراءة ولده المولى شيخ الإسلام البرهان عليه في (شرح الجامي) لقصد شحذ ذهنه وإيقاظ فكرته قوله:
يا أيها الناجي المحقق كتبه
نصوا على تجويز زيد قائم
والقائم الأبوان لا زيد فما ... وجه مقالا في المتون مقررا
أبويه في كل اللغات بلا مرا
توجيه غير الدفع يا خير الورى
قال المولى الوجيه: وهي عن المسائل الظاهرة [5أ-ب]إنما تورد على المبتدئ تذكيرا له، وهو إشارة إلى قول بن الحاجب في بحث الصفة المشبهة وأسماء الفاعل والمفعول غير المتعديين مثل الصفة، فيما ذكروا من ذلك قوله:
يا سيبويه العصر بين لنا
نبقول ما أظرف زيدا ولا
... لفظين إعرابهما أشكلا
تقول ما أضربه في الملا
وذلك لأن أفعال التعجب لا تشتق إلا من الأفعال الطبيعية كما نص عليه (الرضي)(4) ومن ذلك قوله:
ياأيها الناجي أبن قولا يخال مشكلا
ولا يجوز أن تقول نعم زيد مفضلارجلا ... قالوا يجوز حبذا من قبل زيد رجلا
إنما جازوا (حبذا زيد رجلا
صفحة ٥٧
ومنعوا نعم زيد رجلا حتى قال ابن الحاجب في نعم: وبعده ((أي بعد الفاعل والتمييز))(1) المخصوص بالمدح، وقال في حبذا: (ويجوز أن يأتي قبل المخصوص وبعده تمييز)(2) .
قال الفاضل الهندي: (لفضل الظاهر على المضمر، ولعدم اللبس المخصوص فيه عند تركه بالفاعل بخلاف نعم [5أ-ج]، وبئس) ومن ذلك قوله:
إمام العصر لم منعوا مقالا
لو أنك زائد من غير وعد ... تراه في اللسان شبيه شهد
أزلت عذاب هجران وصد
أو يقول في ذلك:(3)
إمام العصر لم منعوا مقالا
لو أنك كل يوم حاسب ما ف ... ببيت فاشف صدري بالجواب
علت نجوت في يوم الحساب
إشارة إلى قول ابن الحاجب في حروف الشرط: (وانطلقت بالفعل موضع منطلق).
ونحو ذلك قول أبي الطيب: (4)
ولنا عادة الجميل من الصبر ... لو أتا يسرى(5) نواك نسام
ومن ذلك قوله:
سألت أوحد هذا العصر مسألة
لا زال طول المدى في نعمة وسنا
عن نصب خيرا يلي ماذا ورفعه
م من بعد ماذا أساطير أبنه لنا
يعني في قوله تعالى: {ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين}[النحل:24] بالرفع، والآية التي بعدها: {وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا}[النحل:30] بالنصب، والجواب: أن المشركين لما لم يؤمنوا بالتنزيل، قالوا: أساطير الأولين، يعني هي أساطير الأولين ليست مما أنزل ربنا، ولما كان المؤمنون مقرين بالتنزيل قالوا: أنزل ربنا خيرا.
ومن ذلك قوله:[7-أ]:
سؤال إلى من حققوا كل مبحث
ومن بهم قد قام في عصرنا الحق
مررت بزيد مثل قول مكلمي
ذهبت به أم بين هذا وذا فرق
وأن عصام الدين بين (6) فيهما
من الفرق ما هو في رؤوس العلا فرق
صفحة ٥٨
ولكن بلفظ (1) دق مستدرج مدرج فهمه
فإيضاحه منكم عليكم لنا حق
ومن ذلك قوله:
ياإماما حوى مقالات أهل النحو
كيف قال النحاة في مثل قولي
وكذا (قولنا) عليك توكلت ... يبين بين (لمن) أتاك يسائل
إن زيدا بسيفه لمقاتل
إلهي يا من تيجيب السائل
قال: العلامة [5ب-ج] في كشافه والسراج في حواشيه عند قوله سبحانه: {إنه على رجعه لقادر}[الطارق:8] على رجعه: على إعادته -خصوصا- لقادر: لبين القدرة لا يلتاث عليه، ولا يعجز عنه، جعل الجار في صلة القادر، أو مدلولا على موصلا به على المذهبين (2) انتهى. ثم قال السراج بعد: والحق أن الفاصل بين (رجعه) وبين (يوم تبلى) يعني به لقادر غير أجنبي؛ لأنه إما تفسير أو عامل على المذهبين انتهى. يريد: أن اسم الفاعل لضعفه لا يعمل النصب ولا يتعلق به [5ب-ب]الجار إن تأخر اسم الفاعل على رأي فيقدر العامل قبل الجار مفسرا بالمتوخر هكذا (إنه لقادر - على رجعه لقادر) ومن قال: يعمل في الظرف لزمه. رابحة الفعل لم يحتج إلى ذلك، ومن ذلك قوله:
إمام العلا والعلم والفضل من له
محل على هام النجوم على الشعرى
أترفع فعلا أم ترى نصبه متى
رويت لنا بيتا سألنا به دهرا
أوصل لليلي أم تصد امرأ إذا
يجود بنفس في الهوى يحرز الأجرا
أجبني بنص للنحاة به ولا تجب
بقياس دمت يا منيتي ذخرا
والجواب أنه قال ابن الحاجب: في أخر نواصب الفعل والعاطفة يعني بنصب الفعل بأن مقدرة إذا كان المعطوف عليه اسما، وأم من حروف العطف.
[مقرؤاته على والده]
صفحة ٥٩
ثم أخذ شيخنا البرهان على والده في (شرح الرضي) قراءة أخرى مع مراجعة (المنهل الصافي)(1) ومطولات كتب (فيمن) النحو [8-أ]، وأخذ صاحب الترجمة شيخنا البرهان، في علم الصرف (2) فقرأ (شرح الجاربردي)(3) على (الشافية) بعد حفظه لأكثر المتن غيبا، وكان يستكمل (4) (شرح الرضي على الشافية)، و(المناهل) وكان شيخنا يقول: إن كل واحد من هذه الثلاثة الشروح (5) لا تغني عن الأخرين؛ لأن في (شرح الرضي) فوائد ليست في (شرح الجاربردي)، وفي (شرح الجاربردي) [6أ-ج] ((فوائد جليلة ليست في (شرح الرضي) ))(6) ، كما يظهر في كلام الجاربردي (7) في الديباجة، فإنه قال: إنه لم يقف على شرح للشافية، فكأنه لم يصل إليه شرح الرضي لتباعد البلدان، وإن كان زمن (8) الرضي، والجاربردي متقارب، ((فالرضي كان قد فرغ من شرحه على الكافية سنة (686ه) ))(9) والجاربردي توفي سنة (746ه). ومما يظهر به عدم اطلاعه عليه أنه تكلم في شرح (تفاعل في بحث الماضي بوهم قد رده الرضي) فلو أطلع عليه لم يتكلم به، وفي (شرح الرضي) توهيم الزمخشري في تصغير الخحماسي والجاربردي تبع برده الزمخشري، ولم يرد على الرضي كلامه هذا، وأما (المناهل)، فإنما اختصر مؤلفها رحمه الله فيها (الرضي)، وأصلح ما فيه من الأوهام، ومما نظمه نضمه المولي الوجيه، عند قراءة ولده البرهان عليه في شرح الجاربردي قوله:
بين لنا مسألة دمت لنا مؤيدا ... ما اسم يكون جمعه كلفظه إن أفرد
واسم إذا ثنيته كان كجمعه ابتداء
صفحة ٦٠
وذلك مفلك، وصنوان وقوله:
يا أيها الحبر الذي ألفاظه
إن قلت زيدا أنبل الفتيان ... بين البرية دائما تستحسن
أو أخواك أنبل فتية ما يحسن
وجوابه يؤخذ من أول بحث الجمع في (شرح الشافية) للرضي.
وقوله:
يا أيها الحبر بين محل شافية التصريف
من نحو سيدي بقيت هدا
أبان بابا لطي فيه ثم ثنى
بباب طي وحي موضحا رشدا
فهل ثناه لمعنى يستفاد به
أم لا أبنه ودم للعلم قطر ندا
وحاصل السؤال أن ابن الحاجب، قال في (الشافية): (وتحذف الياء الثانية من نحو سيدي ومنيتي) إلى قوله: (وطاى شاذ)(1) فبين فيه باب طي أثم بيان [6ب،ج]، ثم أعاد ذلك بعد أبحاث فقال: وباب طي وحي ...إلخ، فأي فائدة لإعادة ذلك.
والجواب: أن قوله: وتحذف الثانية من -نحو سيدي ...إلخ- يفيد أن باب طي -بفتح الطاء وتشديد الياء وهمزة في أخره وزنه، فيعل بزنة سيد- فالنسبة إليه بحذف الياء الثانية فيقال: طي -بفتح الطاء وسكون الياء وكسر الهمزة ثم ياء النسبة- وشذ قلب الياء الساكنة ألفا- كما قالوا: طائي.
وأما قوله: (وباب طي) فإنه تكلم على فعل لا على فيعل. فطي -بفتح الطاء وبالياء المشدودة مع حذف الهمزة للتخفيف- (فهي) (2) بزنة حي ((، وهو مصدر طوى، وطوى الشئ طيا، وأصله طوى فلان الأول فترد الأول إلى أصلها، وتقلب الثانية واوا))(3) فيقال: طووي، وطيوىوحيوي. والله أعلم (4) وقوله:
يا أيها العالم لا زلت في
بين لنا كيف يقولون في ... روض نعيم غيثه يهمي
النسبة إلى الكرسي والمرمي
والجواب: أن ما آخره ياء مشددة بعد ثلاثة فإما أن تكون أحدها أصلية كمرمى أولا ككرسي فالنسبة إلى مرمي مرموي، ويستوي المنسوب والمنسوب إليه في كرسي مطلقا بحذف الياء الزائدة ويلحق ما بقي ياء النسبة.
وقوله:
إمام العلا لا زلت في الفضل مفردا
صفحة ٦١
متى منعوا لفظ البخاتي مفردا ... إليك سؤال من تجبه تيعظم
وجمعا وحينا صرفه متحتم
وبمعنى ذلك قوله أيضا:
إمام الصرف مسألة
فأعرب جمع بختي
وإن نسبوا إليه كيف ... أفد فيها الذي سألا
إذا سموا به رجلا
تعربه لذي النبلا
والجواب: البختي من الإبل الخراسانية،أسانيد الجمع: بخاتي بزنة مصابيح، وبخاتي امتنع أيضا، فإذا نسبت إلى بخاتي اسم رجل فإن الياء المشددة [7أ-ج] بعد أربعة تحذف، فيستوي لفظ المنسوب والمنسوب إليه، ويصرف المنسوب لعدم الصيغة، لأن ياء النسبة كلمة أخرى كتاء التأنيث، وإنما قيدنا بقولنا اسم رجل؛ لأن الجمع في النسبة يرد إلى واحدة وقوله:
مهيم من هيم العشق ومن
أيستوى لفظيهما أم لا إذا ... هوم في تصغيرهم مهوما
نسبت يوما رجلا إليهما
ونظم هذا السؤال أيضا بقوله:
يا عالما لا زلت بدرا مشرقا
أبن لنا في أي لفظ ثقلت
وإنما التخفيف بالحذف فما ... ينيلنا في كل آن فايدة
أربع ياءات فزادوا واحدة
بالهم قد خففوا بالزائدة
وجوابه يظهر من قول (الجاربردي) عند قول ابن الحاجب في التصغير المنسوب ومهيمي ... إلخ، وقوله:
ياذا النهى بين لنا لفظا نراه يشكل ... في قولهم ذا رجل كما تراه رجلال
نقل (الجاربردي)، عن (الزمخشري) أن رجلا يكون بمعنى راجل خلاف الراكب، فنقول رجل كما نقول رجل راجل. وقوله:
يا أيها الحبر الذي سما على
فهل يجوز طالق وطالقة
وضامر لبازل هل سمعوا
كذا ابن خايص وخائصة
وحامل ياذا النهى ومرضع
وهل على الفعل جرى كتامر
وقوله عن السماء منفطرة ... هام السماكين ارتفاعا وعلا
أم لا كما في عاشق وعاشقه
ضامرة لناقة أو منعوا
خلاف أبحر العلوم الفايظه
تأنيثه بالتاء هل يمتنع [10-أ]
أم لا وهل أنث في الدفاتر
فارضة بينهم مشتهرة
وأجوبة هذه المسائل بسطها الجاربردي عند قول ابن الحاجب رحمه الله وكثر مجي فعال في الحروف الحرف ... إلخ، وفي أخر النسبة من (1) (الشافية).
وقوله:
صفحة ٦٢
يا أيها العالم دمت هاديا
سقاية وراية متحدمتجدد
فقيل رائى وراوي ورايي
وليس في سقاية سوى سقائي(1) ... لكل شخص منجدا ومتهما
يا ذا النهى مزيد كل منهما
إذا نسبت شيئا لهما
فما الفرق الذي بينهما
والجواب: أنه قال الرضي: إن التاء طارئة في رأيه، وقال الجاربردي : إن التاء فيها فارقة بين المذكر والمؤنث، يعنيان أنها لطردها كالمعدومة فرأيه في الحكم مثل [6ب-ب] رأي مما آخره ياء متطرفة بعد ألف أصلي يجوز فيه الوجوه الثلاثة بخلاف سقاية فإن التاء فيه طارئة وغير فارقة.
[مقرواته مقروءات صاحب الترجمة في علم البيان]
ثم أخذ شيخنا البرهان في علم البيان (2) فقرأ: (أنوار المباني شرح أبيات المعاني) (3) للفاضل الجرازي بعد حفظه لمتنها غيبا، وهو كتاب نفيس جدا مع صغر حجمه، وإحاطته لما في (التلخيص)، و(شرحه المطول) من القواعد، وزيادات أخر، كرده على السعد في أحوال متعلقات الفعل من جعل الشرط قيدا للجزاء، وبنى على ما ذهب إليه الشريف ثم حفظ (الإيجاز) للشيخ لطف الله الغياث (4)
صفحة ٦٣
وقرأ شرحه المسمى (بالمجاز) على والده قراءة تحقيق وإتقان، وكتب المولى الوجيه على المجاز في حال (التدريس) حاشية مفيدة جدا رأيتها بخطه في هوامش نسخته، وفي سواقط كثيرة، وقرأت أكثرها على شيخنا البرهان في حال قراءتي عليه في (المجاز)، وكانا يستكملان في حال الدرس قراءة (المطول) وما عليه من الحواشي للفاضل الشلبي و(الشريف)(1) ، وأكثر مباحث: (الأطول) لعصام الدين(2) وكثيرا من (حاشية الصغير) (3) للشيخ لطف الله رحمه الله مع مراجعة ما يتعلق بالشواهد القرآنية، والقواعد البيانية في (الكشاف) و(حاشيته لسراج الدين) وهذا (الإيجاز) وشرحه (المجاز) من أجل كتب البيان، ((وأحسنها، وأجمعها للقواعد، وأضبطها قل أن تشذ عنه قاعدة مذكورة في كتب البيان))(4) ، إلا أنه دقيق العبارة بعيد الإشارة، ولهذا عز فهمه على كثير من الناس فتركوه[11-أ].
[مقروءاته في علم المنطق]
وأخذ البرهان في علم المنطق (5)
صفحة ٦٤