ندوة علوم الحديث علوم وآفاق

مجموعة من المؤلفين ت. غير معلوم
45

ندوة علوم الحديث علوم وآفاق

تصانيف

بل لقد قامت مؤلّفاتٌ ضخام لجمع تلك الغرائب، مثل: المعجم الأوسط للطبراني (ت ٣٦٠هـ)، والغرائب والأفراد للدارقطني (ت ٣٨٥هـ)، وهما أكبر كتب الغرائب وأجلّها مطلقًا. بل حتى من عَمَدَ إلى التأليف على منهج كتب السنن، أي في جمع أحاديث الأحكام، لم يَعْمَد إلى جمع المشاهير كما فعل أبو داود، وإنّما عمد إلى جمع غرائب أحاديث الأحكام، كما فعل الإمام الدارقطني، في كتابه الجليل (السنن) (١) . وكأنه بذلك يُتمّمُ عمل أبي داود، ويؤلف كتابًا في الزوائد عليه (٢) . إن حاجة السنة إلى إبراز الأسانيد الغرائب؛ لما لها من علاقة كبيرة في التعليل والجرح والتعديل، ولأنّ منها ما هو صحيح مقبول أيضًا (وإن كان أكثرها ليس كذلك) هذا هو الذي جعل علماء هذه المرحلة يسعون إلى القيام بهذه المهمة الشاقّة. لكن الحكم بالغرابةِ والتفرُّدِ ليس أمرًا مقدورًا عليه لعموم المحدّثين، فضلًا عمّن سواهم، بل هو من خصائص كبار حُفّاظ السنّة؛ لأنّ الحكم بالغرابة يتضمّن دعوى الاطلاع على السنة جميعها، فلا يقوم به إلا من كان أهلًا لمثل هذه الدعوى. ولذلك قال محمد بن طاهر المقدسي (ت ٥٠٧هـ) في مقدّمة كتابه: أطراف الغرائب والأفراد للدارقطني: «وأمّا الغريب والأفراد فلا يُمكن الكلام عليها لكل أحد من الناس، إلا من برع في صنعة الحديث» (٣)

(١) انظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (٢٧/١٦٦)، والسنة النبويّة وبيانُ مدلولها الشرعي والتعريف بحال سنن الدارقطني: لعبد الفتاح أبي غُدّة (٢٥ - ٤٠) . (٢) ولذلك فقد عرف البيهقي عندما أراد أن يُصنّفَ في السنن: ماذا عليه أن يعمل؟ فقد أفرغ هذين الكتابين (سنن أبي داود وسنن الدارقطني) في كتابه، نقلًا مباشرًا غالبًا، وغير مباشر. وانظر الصناعة الحديثيّة في السنن الكبرى للدكتور نجم عبد الرحمن خلف (١٤٩، ١٥٠، ١٦٦ - ١٦٧) . (٣) أطراف الغرائب والأفراد لابن طاهر (١/٤٤) . وقد أشار ابن طاهر في هذا الموطن إلى ما ذكرناه آنفًا في الأصل، من أن التأليف في الغرائب جاء متمّمًا لجهود السابقين، حيث قال عن كتابه وكتاب أبي مسعود الدمشقي في أطراف الصحيحين: «فمن جمع هذين الكتابين أمكنه الكلامُ عن أكثر الصحيح والغريب والأفراد» .

1 / 45