كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمام موقفين اثنين لا ثالث لهما، الأول منهما : أن يصر على رفض الأمر وعدم الموافقة على البيعة، وعندها سيبقى وضع المدينة كما هو يتسلط عليه المتمردون، ويتصرف في المدينة الأعراب والمنحرفون، بل ربما ازداد الوضع سوءا وهو المحتمل فيعيث هؤلاء العابثون في الأرض فسادا، ويزداد قتلهم للناس، وقد ارتكبوا أكبر جريمة بقتلهم الإمام ظلما وعدوانا، ومتى أقدم الإنسان على جريمته الأولى سهلت عليه الجرائم وأسوأ الأعمال بعد ذلك، وبالفعل فقد هددوا أصحاب الشورى وصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وإذا ما حدث أن جاءت جند من الأمصار أو طلبت لإبعاد المتمردين عن المدينة وإقامة الحدود عليهم وإعادة نظام الأمن، فإنه يقع القتال داخل دار الهجرة ويذهب ضحيته أعداد من الصحابة، هذا بالإضافة إلى انقسام المسلمين وتفرق كلمتهم، وهذا ما يخافه العقلاء، وأهل الإيمان، هذا بالإضافة إلى أن تدخل الجند في شؤون المدنيين، وتدخلهم في أعمال الناس، وبحثهم في أمر الخلافة لموضوع يجب الابتعاد عنه تمام الابتعاد، وهذا ما كان ينظر إليه الامام على كرم الله وجهه، ويحرص ألا يحدث، وهو الأمر الذي جعله يقبل الخلافة.
صفحة ٦٨