137

الموافقات

محقق

أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان

الناشر

دار ابن عفان

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م

وَقَدْ كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَكْرَهُ الْكَلَامَ فِيمَا لَيْسَ تَحْتَهُ عَمَلٌ، وَيَحْكِي كَرَاهِيَّتَهُ عمَّن تقدَّم١. وَبَيَانُ عَدَمِ الِاسْتِحْسَانِ فِيهِ مِنْ أَوْجُهٍ مُتَعَدِّدَةٍ: - مِنْهَا: أَنَّهُ شُغْلٌ عَمَّا يَعْنِي مِنْ أَمْرِ التَّكْلِيفِ الَّذِي طُوِّقَه المكلَّف بِمَا لَا يَعْنِي، إِذْ لَا يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ فَائِدَةٌ؛ لَا فِي الدُّنْيَا، وَلَا فِي الْآخِرَةِ، أَمَّا فِي الْآخِرَةِ؛ فَإِنَّهُ٢ يُسأل عَمَّا أُمر بِهِ أَوْ نُهي عَنْهُ، وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ عِلْمَهُ بِمَا عَلِمَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَزِيدُهُ فِي تَدْبِيرِ رِزْقِهِ وَلَا يَنْقُصُهُ، وَأَمَّا اللَّذَّةُ الحاصلة منه فِي الْحَالِ؛ فَلَا تَفِي مَشَقَّةَ اكْتِسَابِهَا وتعبُ طَلَبِهَا بِلَذَّةِ حُصُولِهَا، وَإِنْ فُرض أَنَّ فِيهِ فَائِدَةً فِي الدُّنْيَا؛ فَمِنْ شَرْطِ كَوْنِهَا فَائِدَةً شَهَادَةُ الشَّرْعِ لَهَا بِذَلِكَ، وَكَمْ مِنْ لَذَّةٍ وَفَائِدَةٍ يَعُدُّهَا الْإِنْسَانُ كَذَلِكَ وَلَيْسَتْ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ إِلَّا عَلَى الضِّدِّ؛ كَالزِّنَى، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَسَائِرِ وُجُوهِ الْفِسْقِ، وَالْمَعَاصِي الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا غَرَضٌ عَاجِلٌ، فَإِذًا قَطَعَ الزَّمَانَ فِيمَا لَا يَجْنِي ثَمَرَةً فِي الدَّارَيْنِ، مَعَ تَعْطِيلِ مَا يجني الثمرة من فعل ما لا يَنْبَغِي. - وَمِنْهَا: أَنَّ الشَّرْعَ٣ قَدْ جَاءَ بِبَيَانِ مَا تَصْلُحُ بِهِ أَحْوَالُ الْعَبْدِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ عَلَى أَتَمِّ الْوُجُوهِ وَأَكْمَلِهَا، فَمَا خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ قَدْ يُظن أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَهُوَ مُشَاهَدٌ فِي التَّجْرِبَةِ الْعَادِيَّةِ؛ فَإِنَّ عَامَّةَ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْعُلُومِ الَّتِي لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا ثَمَرَةٌ تَكْلِيفِيَّةٌ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ فِيهَا الْفِتْنَةُ وَالْخُرُوجُ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَيَثُورُ بَيْنَهُمُ الْخِلَافُ وَالنِّزَاعُ الْمُؤَدِّي إِلَى التَّقَاطُعِ وَالتَّدَابُرِ والتعصُّب، حَتَّى تَفَرَّقُوا شِيَعًا٤، وَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ خَرَجُوا عَنِ السُّنَّةِ، ولم يكن أصل التفرق٥ إلا بهذا

١ انظر: "٢/ ١٤٢-١٤٣، ٥/ ٣٣٢". ٢ في "م" و"خ" و"ط" زيادة: "إنما". ٣ في "ط": "الشارع". ٤ وذلك كاختلافهم في نجاة أبويه ﷺ فإنه طالما شقي به الناس فرقة وتدابرا. "د". قلت: وكذلك مسألة عصمة نساء النبي ﷺ من الزنا؛ هل هي قدرية أم شرعية؟ فإنها وقع بسببها خلاف وهجر بين بعض فضلاء علماء عصرنا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ العظيم ٥ في "ط": "الفِرَق".

1 / 53