228

مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن

محقق

مرزوق علي إبراهيم

الناشر

دار الراية

رقم الإصدار

الأولى ١٤١٥ هـ

سنة النشر

١٩٩٥ م

تصانيف

الجغرافيا
يَقْدُمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ [ﷺ] أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة ليرى المشركون جَلَدَهُمْ. وَهَذَا فِي «الصَّحِيحَيْنِ» . ثُمَّ زَالَتْ تِلْكَ الأَشْيَاءِ وَبَقِيَتْ آثَارُهَا وَأَحْكَامُهَا، وَرُبَّمَا أُشْكِلَتْ هَذِهِ الأمور على من يرى صورها ولا يَعْرِفْ أَسْبَابَهَا، فَيُقُولُ: هَذَا لا مَعنَى لَهُ، فَقَدْ بَيَّنْتُ لَكَ الأَسْبَابَ مِنْ حَيْثُ النَّقْلِ، وَهَا أَنَا أُمَهِّدُ لَكَ مِنَ الْمَعْنَى قَاعِدَةً تَبْنِي عَلَيْهَا مَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا. اعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ الْعِبَادَةِ مَعْقُولٌ، وَهُوَ ذُلُّ الْعَبْدِ لِمَوْلاهُ بِطَاعَتِهِ، فَإِنَّ الصَّلاةَ فِيهَا مِنَ التَّوَاضُعِ وَالذُّلِّ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ التَّعَبُّدُ. وَفِي الزَّكَاةِ إِرْفَاقٌ وَمُوَاسَاةٌ يُفْهَمُ مَعْنَاهُ. وَفِي الصَّوْمِ كَسْرُ شهوة النفس لتنقاد طائعة إلى مخدومها. وفي تشريف البيت ونصبه مقصدًا وجعل له ما حواليها حرمًا تفخيمًا له، وإقبال الخلق شُعُثًا غُبُرًا كَإِقْبَالِ الْعَبْدِ إِلَى مَوْلاهُ ذَلِيلا مُعْتَذِرًا أَمْرٌ مَفْهُومٌ، وَالنَّفْسُ تَأْنَسُ مِنَ التَّعَبُّدِ بِمَا تَفْهَمُهُ، فَيَكُونُ مَيْلُ الطَّبْعِ إِلَيْهِ مُعِينًا عَلَى فِعْلِهِ، وَبَاعِثًا؛ فَوُظُّفَتْ لَهَا وَظَائِفُ لا يفهمها، ليتم انقيادها كالسعي والرمي، فإنه لاحظ فِي ذَلِكَ لِلنَّفْسِ، وَلا أُنْسَ فِيهِ لِلطَّبْعِ، وَلا يَهْتَدِي الْعَقْلُ إِلَى مَعْنَاهُ، فَلا

1 / 285