المنافق النفاق حالا بعد حال ، فقال (1): ( فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه ، وبما كانوا يكذبون ) [77] وذلك يدل أيضا على أنه يضل من تقدم منه الكفر ، على سبيل العقوبة.
والجواب عن ذلك : أن ظاهره لا يدل على أنه تعالى أعقبهم نفاقا فى قلوبهم ؛ لأنه كما تقدم ذكره ، فقد تقدم ذكر بخلهم بما عاهدوا الله عليه وغير ذلك (2) فمن أين أن ذلك يضاف إليه تعالى والحال هذه؟
وبعد ، فإنه تعالى لو فعل فى قلوبهم النفاق لوجب أن يكون ظاهره يقتضى أنه فعله فى قلبهم إلى يوم اللقاء (3)، وهذا مما لا يصح ظاهره ؛ لأن يكون المراد بيوم (4) اللقاء اليوم الذى يلقون فيه ما وعدوا وأعد لهم ، وكان يجب أن يكون يوم اللقاء كالعلة فى انقطاع ما يستحقون على توليهم وإعراضهم عنه ، وهذا بالضد مما ثبت من (5) أن التعذيب إنما يكون فى ذلك الوقت ، وإنما يقدم تعالى بعض العذاب للمصلحة ، كالحدود وغيرها فى المصرين ، وهذا يوجب أن يحمل ظاهره إن كان الأمر كما قالوا على أنه أعقبهم نفاقا فى قلوبهم ، ما دام التكليف حاصلا ، فعاقبهم بذلك على كفرهم ، ولو كان كذلك لكان النفاق الأول يجب أن يكون من فعلهم ، وأن يكون الثانى ، من حيث كان جزاء ، من فعله فيهم ، ومن حيث كان الثالث جزاء عليه ، من فعلهم ؛ لأن نفاقهم يتكرر حالا بعد حال ، وهذا يتناقض!
صفحة ٣٤٠