275

فان قال : فما الفائدة فى أن يخلقه تعالى لتكون هذه حاله فى رد العباد عن الطاعة! وتمكينه من دعائهم ، وتوليته من نعمه ليكون إلى ذلك أقرب ، وهل (1) يجوز أن يكون هذا من فعل حكيم؟!

قيل له : إنه تعالى خلقه لكى يؤمن ويطيع ، وعرضه بذلك للنعيم ، فأبى إلا التمرد مع التمكن مع الطاعة ، وإنما أتى من قبل نفسه.

فأما دعاؤه الخلق إلى المعاصى فذلك غير مدخل لهم فيها ولا مانع لهم من الطاعة ، لأنه أضعف فى ذلك من دعاء شياطين الإنس ، لأنهم يجبهون ويجهرون بالقول ويوردون الشبه ، وما يفعله من الوسوسة بخلاف ذلك ، وإذا لم يكن حاملا على المعصية فبأن لا يكون دعاؤه كذلك أولى.

ويجوز أن يكون تعالى علم أنه إذا (2) أشعر الناس أمره ، « وقد ضمن له البقاء (3)) ، كانوا إلى التحرز أقرب ، وتحرزهم منه يدعوهم إلى التحرز من سائر المعاصى ، وكما يجب أن نقول فى خلق الحيات والعقارب : إنها نعمة من حيث دعانا تعالى بما نعلمه من حالها إلى التحرز الشديد ، وذلك يؤدى إلى التحرز من المعاصى ، فكذلك ما قلناه.

وقد قال شيخونا رحمهم الله : إنه لو علم تعالى أن عند دعائه يكفر بعضهم على وجه لو لا دعاؤه لآمن لا محالة ، لمنعه تعالى من ذلك ، وإنما يخلى بينه وبين دعاء من المعلوم أنه يفسد على كل حال ، أو يفسد لو لا دعاؤه لأمر آخر يحدث

صفحة ٢٧٦