فأثبته خالقا من حيث قدر ودبر ، وإن لم يفر الأديم.
ومتى حمل الكلام على هذا الوجه كان حقيقته : أنه تعالى وإن لم يحدث أفعال العباد ، فقد قدرها ودبرها وبين أحوالها ، فهذا وجه.
وقد قال بعض العلماء : إن هذه اللفظة فى الإثبات ليس المقصد بها التعميم ، كما يقصد ذلك فى النفى ؛ لأن القائل يقول : أكلت كل شيء ، وتحدثنا بكل شيء ، وفعلت كل شيء ، وقال تعالى : ( تبيانا لكل شيء ) (1) و ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) (2) وقال تعالى : ( تدمر كل شيء بأمر ربها ) (3) وقال : ( يجبى إليه ثمرات كل شيء ) (4) وإنما المقصد بذلك المبالغة فى الكثير من ذلك النوع المذكور ، قال : ولا يعرف هذا (5) الكلام فى باب الإخبار عما يفعل الإنسان عما يحدث من الأمور مستعملا إلا على هذا الوجه ، فلا يصح أن يدعى فيه العموم ، فهذا وجه ثان.
ومما يقال فى ذلك : وقوله تعالى : ( خالق كل شيء ) على ما يصح أن يقدر عليه فيجب أن يبين أن (6) أفعال العباد يصح ذلك فيها (7) حتى يتضمنها العموم ، كما أن الدلالة العقلية إذا دلت على أنه تعالى يفعل أمورا ، فإنما تدل بعد تقدم العلم (8) بأن كان قادرا عليها. وما ترتب على شرط غير مذكور تجب معرفته ، لا يمكن ادعاء العموم فيه.
صفحة ٢٥٢