ذكرناه ، والانقياد له تعالى قد يكون بفعله ، وقد يكون بفعل العبد ، فليس فى الظاهر لهم دلالة.
وبعد ، فإنه تعالى هو الفاعل لما عنده يصير العبد مسلما من التأييد والمعونة والألطاف ، فالداعى إذا دعا بذلك فانما يريد ما ذكرنا. كما أن المخبر منا بأنه صير ولده أديبا عالما ، يعنى أنه فعل ما عنده صار كذلك واختاره.
وبعد ، فانا قد بينا أن الداعى إذا دعا بأمر من الأمور ، فإنما يحسن على شرائط ، فيجب أن يبين القوم أن الشرائط التى حسن عليها هذا الدعاء يقتضى ما ذكروه.
ثم يقال للقوم : إذا كان الأمر كما تقولون ، فيجب أن لا يكون كون (1) المسلم مسلما من مدائحه ، فانه كاللون فى بابه. ويقال لهم : إن كان تعالى يجعله مسلما ، بمعنى أنه يخلق إسلامه ، فلا فائدة فى قوله : ( وأرنا مناسكنا وتب علينا ) (2) لأن تعريف المناسك : الغرض به أن يفعلوه ، ولأن قبول التوبة إنما يكون فيه فائدة إذا كان منهم ومن قبلهم معاص فيتلافونها بالتوبة ، ويسألونه جل وعز قبولها.
وقد قال تعالى قبل ذلك : ( ربنا تقبل منا ) (3) فإن كان الإسلام وخلافه من قبله تعالى فلا فائدة فى التقبل ؛ لأن التقبل معناه : أن يجازيهم على طاعتهم بالثواب والتعظيم ، وذلك لا يصح لو كان تعالى قد اضطرهم إليه.
صفحة ١١١